منطقة زعير مقبرة التنمية في ضواحي العاصمة الرباط
سنتطرق في هذا المقال الافتتاحي من سلسلة التحقيقات المقبلة إلى ملف مهم يهز العاصمة الرباط التي تبنت مشاريع تنموية كبرى وفقاً للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لبناء مغرب جديد، نجد أن ضواحيها مازالت تتجرع مرارة التخلف والتهميش والإقصاء، وسط غياب الجدية والطموح من طرف المسؤولين بالمنطقة، ما أثار احتقان الساكنة ودفعها للمطالبة بحقوقها المشروعة. هنا تطرح تساؤلات حارقة: ما سبب هذا التهميش والنفي الذي تتعرض له منطقة زعير؟ وما دور المسؤولين في التنمية والتهيئة وتوفير البيئة الملائمة للعيش؟ وكيف يفسر هؤلاء هذه الإشكالات المطروحة؟
في هذا الصدد، قمنا باستطلاع ميداني وذلك يوم الأربعاء 6 غشت 2025، لرصد المشاكل بكل حياد ومهنية، فاكتشفنا وضعا كارثيا يعاكس تماماً مسار التنمية الذي تعرفه المملكة. فالمنطقة نائية بامتياز، وحتى الشوارع التي تشهد إصلاحات في بنيتها التحتية تفتقر لأبسط وسائل الإرشاد والتشوير الطرقي، حيث استبدلت اللوحات التحذيرية بأحجار مطلية بالجير الأبيض على جوانب الطرقات، في محاولة بدائية لتنبيه مستعملي الطريق، مما يشكل خطراً على الوافدين من خارج المنطقة وقد يتسبب في حوادث سير. أما بالنسبة للطرق التي لم تصلها الأشغال بنفس المشروع فهي مليئة بالحفر والترقيعات التي شوهت صورة الجماعة والمنطقة، على حد سواء.
تأتي هذه التحقيقيات استجابة لشكايات متكررة من الساكنة، تستنجد بتسليط الضوء على اختلالات غير قانونية ولا مهنية، فضلا عن العزلة والرجعية التي تعيشها زعير وكأنها في عصر آخر، عكس موجة التنمية والازدهار التي تشهدها المملكة بسرعة وطموح. وبينما تخلد الرباط صورتها كأيقونة ثقافية وسياحية واعدة تنافس كبار العواصم العالمية، يعيش قلبها في الظل: سكان يعانون من نقص الماء وفي مناطق أخرى انعدامه، ضعف الصحة والتعليم، تفشي الفقر، وارتفاع البطالة التي دفعت أغلب الشباب إلى الهجرة. هناك أيضاً شكاوى من الشطط في استعمال السلطة والخوف من شخصيات نافذة تستعمل كل الوسائل لترهيب المعارضين، بما في ذلك توظيف البلطجية لخدمة أجندات سياسية، لجعل المنطقة كمقبرة جماعية لساكنتها وكنز لأصحاب المصالح الخاصة.
من جانبهم، يؤكد السكان أن زعير تحيا كدويلة داخل الدولة، بقوانين قمعية تعود لعصر الحماية، وهو ما دفعهم إلى مناشدة السلطات لمراقبة الوضع وإيجاد حلول جذرية، مع تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ضد كل من استغل نفوذه لتحقيق المصلحة الخاصة.
وخلال جولتنا، وقفنا على المستشفى المحلي بالرماني بعد الشكايات المتعلقة بنقص حاد في الوسائل الطبية وقلة الأطباء. وجدنا كرسي متحرك واحد متهالك وسرير طبي وحيد. من طرفه، أوضح مسؤول بالمستشفى، في غياب المدير لأسباب صحية، أن هذا المرفق مؤقت في انتظار إصلاح المستشفى المركزي، وأن العلاجات والأدوية الضرورية متوفرة، باستثناء الحالات التي تتطلب النقل إلى الرباط لغياب قسم الإنعاش بعد مغادرة الطبيب المختص. أما المعدات فيتم طلبها من الجهة المختصة بعدد كبير لكن يُقدم منها ما يتوفر فقط. غير أن بعض السكان شددوا على أن المستشفى شبه خالٍ في أوقات الظهيرة بعد انتهاء دوام طبيبة المستعجلات، ما يجبر المرضى على التوجه إلى العاصمة. وهنا يطرح السؤال: ما دور مدير المستشفى بصفته رئيس جماعة الرماني؟ وكيف يفسر وجود طبيب واحد وضعف التجهيزات إلى هذا الحد؟ وهل يُعقل أن يخدم مستشفى بهذه الإمكانيات المحدودة جميع المرضى الوافدين بسرير وحيد وكرسي لا يتحرك؟
في هذا الصدد، اطلعنا أيضاً على مشاريع بالمنطقة، من بينها أشغال تهيئة البنية التحتية بعين السبيت التي تعرف تأخيراً، وحسب استفسارنا من أحد العاملين في نفس المشروع رجحوا ذلك إلى الظروف المناخية التي أوقفت الأشغال. لكن ما يثير هذا التساؤل هو: هل هذا مبرر كافٍ أم أن غياب الرقابة الحقيقية هي السبب؟
وفي المقابل، تشهد منطقة المرشوش تقدماً ملحوظاً في مشاريعها، ما يلفت الانتباه على المقارنة بين المشروعين وإرادة المسؤولين وروح الجدية: هل يكمن الفرق في طبيعة المسؤولين أم في طريقة تحملهم للمسؤولية؟
كما تعاني بعض الدواوير من مشاكل في التزويد بالماء والكهرباء، حيث مازال السكان يستعملون الشموع ويبحثون عن المياه في عز الصيف، وهو أمر لا يحتمل التأجيل لأنه يشكل أساس الحياة. وضعية هؤلاء كارثية وغير إنسانية، وتستدعي تدخلاً عاجلاً قبل تفاقم الأزمة، لأن الساكنة ترفض استمرار الفساد وتعتيم المنطقة إعلامياً لنهب خيراتها.
نختتم هذا المقال بدعوة صريحة للمسؤولين لتقديم توضيحات حول الإشكالات التي تعيشها زعير، والتي تسيء لصورة الرباط في خضم التحولات الكبرى التي تشهدها. فالغضب الشعبي بلغ ذروته، والسكان الذين حُرموا من أبسط حقوقهم كمواطنين مغاربة يطالبون بفك القيود المفروضة عليهم من قبل شخصيات نافذة استنزفت المنطقة لسنوات دون تحقيق أي نتائج حتى باتت زعير، على بعد كيلومترات قليلة من العاصمة، تعيش عزلة وتهميشاً خارج قاطرة التنمية. وفي مقالاتنا المقبلة سنفصل في كل قضية على حدة ونناقش الإشكالات العميقة ونقترح الحلول البديلة، مع بقاء حق الرد مكفولاً للمسؤولين، وكما عودناكم بنقل الخبر بمصداقية ومهنية.
Comments ( 0 )