من قلب معرض الكتاب بالرباط… المكفوفين يوجهون رسالة للمسؤولين
عرف معرض الكتاب بالرباط في دورته الثلاثين لسنة 2025 تنوعا ثقافيا كبيرا جمع عشاق القراءة من مختلف ربوع المملكة، فضلا عن حضور دولي جعل من هذا الحدث ملتقى للكتاب والقراء والمفكرين والأكاديميين والمسؤولين. كما أضفى حضور المؤسسات المشاركة طابعا مهما سواء في التعريف بالخدمات أو في التواصل المباشر مع الزوار، حيث سجل تفاعل واضح ووضوح في الرؤية لدى المستفسرين.
ومن خلال جولة استقصائية قمنا بها، لفت انتباهنا رواق مميز ترأسته المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بالمغرب. و بعد حوار مطول تبادلنا فيه التساؤلات حول كيفيات الكتابة والتواصل، قدم لنا أحد الأطر آلة الطباعة اليدوية “بيركنز” المعتمدة في تعليم المكفوفين والتي تعتبر أداة فعالة لتبسيط عملية الكتابة بطريقة برايل. هذه التقنية إلى جانب الطرق التقليدية كطريقة برايل التي تعتمد على لمس النقاط البارزة من 1 إلى 6، تسهل عملية القراءة والكتابة لدى المكفوفين وهي من ابتكار الفرنسي لويس برايل. كما اطلعنا على لوحة برايل اليدوية التي تستخدم في كتابة النصوص بطريقة ملموسة، بحيث يتمكن الكفيف من الكتابة بطريقة مستقلة.
لكن سرعان ما تحول الحديث إلى واقع المكفوفين بالمغرب، والإكراهات التي يواجهونها يوميا، إذ لا يسع المجال لحصرها في مقال واحد. إنما سنتطرق إلى أبرز هذه التحديات المتمثلة في مشكل التعامل مع الأوراق النقدية من خلال تعدد النسخات من نفس الفئة، مما يشكل عائقا كبيرا أمامهم لاسيما يصعب تمييزها، ما يفتح الباب أمام بعض مظاهر الغش وسوء النية في المعاملات المالية.
كما سلطوا الضوء على مشكل الولوج إلى الإدارة العمومية، في ظل عدم تفعيل القانون الذي ينص على أسبقية هذه الفئة في الخدمات، وهو ما يجعل المكفوف ينتظر في الطوابير كباقي المواطنين، بل ويتلقى الأسبقية من منطلق الشفقة وليس باعتباره حق مشروع وهو أمر يرفضونه بشدة. وفي هذا الصدد، يحمل المكفوفون المسؤولية للإدارات التي لا تسهر على تطبيق القانون أو توعية المواطنين به من خلال تعليقه أمام مرأى المواطنين.
وتطرقوا أيضا لصعوبة التنقل داخل الإدارات بسبب غياب الإمكانيات التقنية الملائمة، كالمصاعد التي تفتقر للرموز الخاصة بالمكفوفين، مما يضطرهم إلى طلب المساعد في كل مرة لهذا يقترح البعض تخصيص وسيط إداري يتكفل بإجراء المساطر لفائدتهم ويقرب لهم الخدمات داخل الإدارات.
أما مشكل النقل فله نصيب من المعاناة كذلك، حيث لا تتوفر أغلب وسائل النقل على علامات صوتية أو ملموسة لتيسير الولوج. ويبقى الاستثناء الوحيد هو “الطرامواي”، الذي يعتبرونه وسيلة النقل الوحيدة التي تضمن لهم تنقلا آمنا وسلسا، مما يستدعي تعميم هذا النوع من التيسيرات في باقي وسائل النقل.
من قلب المعرض، وجه المكفوفون نداء مفتوحا إلى المسؤولين، يناشدون فيه بالنظر في طلباتهم البسيطة التي من شأنها أن تسهل حياتهم اليومية، وتمنحهم الحق الكامل في الاستقلالية والكرامة، دون الحاجة إلى طلب العون في كل محطة من محطات الحياة. كما جددوا دعوتهم لتبسيط المساطر الإدارية واعتماد مقترح الوسيط الإداري الذي سيساعد في الحد من العراقيل التي تواجههم أثناء تنقلهم بين المكاتب.
بالمناسبة، كان رواق المنظمة غنيا بأدوات وتقنيات فعالة في تسهيل عملية القراءة والكتابة لدى المكفوفين، لكن ما كان أغنى من كل ذلك هو أولئك النماذج الراقية التي التقينا بها، أشخاص أثبتوا نضجا ووعيا لافتا. بل كشفوا عن مستوى علمي وفكري يجعلنا نوقن أن البصيرة قد تتفوق على البصر أحيانا، وأن المكفوفين لا ينقصهم شيء سوى قليل من الدعم وكثير من الإنصاف.
Comments ( 0 )