الحو هشام
لم تعد الأرقام تفيد أكثر، وما إذا كانت الثالثة أو الرابعة أو العاشرة، فالمجموعات البشرية والمنصات على الانترنت، أخدتنا في دوائرها المغلقة والمنفتحة على الذات والعوالم المفترضة معا، وأبهمت معها النفس البشرية بعد ظهور العالم السايبري (سيبير)، كمجمع خدمات للانترنيت الذي اجتاح الأحياء السكنية بداية الألفية، ولم يخلو منه حي أو زقاق أو قرية، ليتماهى مفهومه الإجتماعي الجديد في حياتنا اليومية، بشكل لم يشغلنا تمييزه بالقدر الذي يشغله تحفيزه لنا، لمزيد من الإرتقاء المعرفي والتواصلي.
لم نعد اليوم في مرحلة الشك من دخولنا إلى مرحلة الإنسان “الآلة المصنعة”، وصناعة المحتوى مع وصول الجيل الرابع 4G، والتي اختفت معها محلات خدمات الأنترنت التي كانت رائجة إلى وقت قريب. فالشواهد والتجارب والممارسات الصالحة و الطالحة كثيرة، بشكل يصعب معه أن تحصى، في المنصات الرقمية و الهواتف المرتبطة والمتشابكة ببعضها على نحو أسرع مع ارتفاع صبيب الجيل الرابع من الهواتف الخلوية، التي أصبحت من مظاهر الحياة الحديثة أو ما بعد الحداثة إن صحَّ التعبير.
إن تلك الآلة الصمّاء التي كانت تشغل حيزا كبيرا من زاوية الغرفة، أكبر من حيز التلفاز الذي شغل اهتماماتنا لعقود، لم تعد بذلك الحجم بعد أن تسللت إلى محفضة النقود، حتى أنها لم تعد صماء، بل أصبحت أكثر من ذلك تراقب تحركاتنا و تستقرئ أفكارنا، إن لم نقل أنها أصبحت موجهاً لاحتياجاتنا اليومية و رغباتنا، وما خفي كان أعظم.
ومن تم فالحديث عن موجة تلوى أخرى الجيل الخامس أو السادس ليس بالأمر الغريب، مع التطور الهائل الذي تعرفه تكنولوجيا الإلكترونيات، و ابتعاد الإنسان شيئا فشيئا عن طبيعته الأصلية، وإدراكه لضرورة نقل طبيعته وروتينه اليومي، وما إلى ذلك نحو محتوى رقمي سيمثله ويخلفه (خلفا متميزاً)، بقدرات خارقة طالما حلُم بها في واقعه المعاش، وخاصة عند الأجيال الناشئة التي إنجدبت أكثر من غيرها نحو الاعتماد على الجيل الرابع للهواتف لإشباع حاجياتها الاجتماعية للانتماء عبر التواصل و تكوين المعارف و بناء العلاقات و الترفيه، على حساب إنفاق معظم وقتهم في مؤانسة هواتفهم مع مختلف الكائنات البشرية والآلية المبرمجة على التواصل. في سياق غياب الفضاء الثالث النوادي والمسارح وقاعات الألعاب التي كان يعتمد عليها أسلافهم لربط العلاقات وإبراز الذات والتفريغ النفسي خارج إطار البيت والعمل.
وأشارت الإحصائيات العالمية إلى أن نحو 70% ممن أعمارهم بين 12 و18 عاماً، يستخدمون الأنترنيت بصورة منتظمة، وتصل نسبة استخدامهم للهواتف الذكية (الجيل الرابع) إلى %99 إذا ما احتسبت الفترات المتقطعة للاتصال، كما تُلاحظ مُؤشرات عدة على التنافسية الشديدة بين المنصات على اجتذاب المستخدمين من فئة المراهقين والشباب على الخصوص، بين عدد من الشركات العملاقة ( فيسبوك ،انستغرام ،تيك توك… إلخ)، والتي اخترقت بعضها قوانين الخصوصية وبراءة الأطفال، كنهج الفيسبوك الذي افتضح مؤخرا بعد تسريب معطيات عن استهدافه للقاصرين لتوسيع انتشار منصته على الويب،
فعلى ما يبدوا أن هذه الشركات، تعمل على حشد جماهيري و مجتمعي لها داخل فضاء هذه الهواتف، وبالقدر الذي يبدوا على أنه تنافس تكنولوجي، فهو أيضا تنافس إجتماعي وثقافي، إذ أن معظم الخدمات الفائقة المتاحة داخل هذه الفضاءات السوسيو-ثقافية لها علاقة بصميم و تَصْميم الحركات الاجتماعية للقاصرين و الشباب، بل أصبحت منافسا للدول و المنضمات، لا وبل أصبحت هي الدول بعينها بعد توفيرها لمفهوم الإنتماء والارتقاء الاجتماعي، فأصبحت فاعلا مجتمعيا لا يستهان به في توفير حاجيات التعليم والترفيه والإستشارة والقيادة وهو ما أنتج لنا:
- إعادة تعريف السياسة ؟ بعد نشوء المجموعات الافتراضية المؤثرة.
- نشأة تفكير نظم وقيم جديدة، إكتسبت قيمة أكبر من القيم التي كانت سائدة.
- وفرة المعلومة وانتقال مفهوم الأمية إلى مفهوم الأمية الرقمية.
- ضعف قدرة الفكر المحافظ على الإنسجام والتناغم مع المناحي الأخلاقية لأجيال الموجة الرابعة 4G للهواتف الذكية.
- صراع الأجيال على ريادة توجهات الحياة المعاصرة.
وعلى الرغم من أننا اليوم في مرحلة قوى العمل الافتراضية غير العاملة بفعالية تامة على المستوى الاجتماعي الناشئ، بفعل تكنولوجيا الجيل الرابع. فإن الجيل الخامس 5G لهذه التكنولوجيا، سينتقل بنا لا محالة إلى مرحلة “الصناعة الاجتماعية “، بما يفرز وفق بعض علماء الاجتماع الفرنسيين ” الاقتصاد الاجتماعي”، وبذلك ندخل مرحلة تكامل النتائج الاجتماعية مع المكتسبات الاقتصادية غير المباشرة، لمن اراد، بتعبير اخر الانتقال الرقمي نحو جميع مناحي الحياة.
Comments ( 0 )