ميموزا: سيرة ناجٍ من القرن العشرين تتجلى في حضرة آسفي مع صلاح الوديع
في أمسية ثقافية مفعمة بالعزة والفخر، احتضنت مدينة آسفي، حاضرة المحيط، حدثًا استثنائيًا يوم الأربعاء في قاعة الفنون، حيث احتفى أبناء المدينة بإحدى قاماتها الشامخة، الشاعر والمناضل صلاح الوديع، ابن آسفي الأصيل. هذا اللقاء، الذي نظمته جمعية ذاكرة آسفي وجمعية الشعلة للتربية والثقافة، كان بمثابة تتويج لمسيرة نضالية وثقافية حافلة، تجسدت في كتاب “ميموزا: سيرة ناج من القرن العشرين”، السيرة الذاتية للوديع التي تحمل في طياتها قصة مدينة وشعب وتاريخ.
آسفي: مهد النضال والإبداع، آسفي، المدينة التي تنبض بالحياة والتاريخ، ليست مجرد نقطة على خارطة المغرب، بل رمز للنضال والثقافة. هذه المدينة، التي أنجبت أبطالاً ومبدعين، كانت ولا تزال منارة للوطنية والفكر الحر. في هذه الأمسية، تجلى حضور آسفي النضالي من خلال قصة صلاح الوديع، الذي حمل مشعل الحرية والعدالة منذ شبابه، متحديًا سنوات الرصاص بكلماته البليغة وشعره الثائر.
عبر كتابه “ميموزا”، يروي الوديع حكاية عائلته المجبولة بالحب والتضحية، من والده محمد الوديع الأسفي إلى والدته الشاعرة ثريا السقاط، وصولاً إلى إخوته وأخواته الذين شكلوا نسيجًا إنسانيًا فريدًا، محفورًا في ذاكرة المدينة.أمسية تحيي الذاكرة
استهلت الأمسية بعرض فيلم من إخراج حسن باسكيط، يروي فيه الوديع قصته مع ممر ميموزا، ذلك المكان الرمزي في آسفي الذي ارتبط بمسيرته النضالية. الفيلم، الذي لاقى إعجاب الحضور، حمل رسالة واضحة للأجيال الصاعدة: النضال ليس مجرد فعل مقاومة، بل هو إرث ثقافي وإنساني يجب أن يستمر. وفي كلمة مؤثرة ألقاها الأستاذ منير الشرقي نيابة عن الأستاذة زهرة رشاد، التي تعذر حضورها لأسباب صحية، تم استعراض قيمة صلاح الوديع كإنسان ومناضل وشاعر. وصفته رشاد بـ”السفير الأبلغ” لآسفي، الذي حمل هموم المدينة وذاكرتها في كتاباته، مؤكدة أن كلماته هي سلاحه وأن حلمه النبيل بالعدالة وحقوق الإنسان لا يزال يضيء دروب المغرب.
نضال آسفي: من الماضي إلى المستقبل
لم يكن الحديث عن صلاح الوديع مجرد سرد لسيرة شخصية، بل كان استعادة لتاريخ آسفي النضالي، الذي شكل جزءًا لا يتجزأ من مسار الانتقال الديمقراطي في المغرب. كان الوديع أحد أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة، تلك التجربة الرائدة التي قادها جلالة الملك محمد السادس للمصالحة مع تاريخ سنوات الرصاص. هذا الإرث، الذي ساهم فيه الوديع ورفاقه، جعل من آسفي رمزًا للحرية والكرامة، وهو ما عكسته مداخلات الجمهور الحاضر الذي تفاعل بحماس، معبرًا عن طموحاته لمستقبل المدينة وداعيًا إلى استمرار دعمها للحاق بركب التنمية الشاملة التي يشهدها المغرب.
لحظات فنية وذكريات خالدة، أضافت الفنانة الشابة أميمة لمسة ساحرة للأمسية بصوتها العذب، حيث أطربت الحضور بوصلات غنائية أعادت إلى الأذهان بهجة الزمن الجميل لآسفي. واختتم الحفل ببوفيه مفتوح، تبادل فيه الحاضرون الأحاديث والذكريات، مستحضرين تاريخ مدينة أنجبت الأحرار والمبدعين. كانت هذه اللحظات بمثابة تأكيد على أن آسفي ليست مجرد مكان، بل روح نابضة تحمل في قلبها النضال والإبداع.
الصورة الأكبر:
آسفي حاضرة المستقبل
أمسية توقيع كتاب “ميموزا” لم تكن مجرد احتفاء بصلاح الوديع، بل كانت تكريمًا لآسفي وتاريخها العريق. هي دعوة للأجيال الجديدة لاستلهام روح النضال والثقافة التي تميز هذه المدينة. إن صلاح الوديع، بكلماته وأحلامه، يذكرنا أن الحب والتضامن هما السلاح الأقوى في مواجهة تحديات الحياة. وآسفي، بتراثها وأبنائها، ستبقى منارة تضيء دروب المغرب الكبير، حاملة مشعل الإبداع والحرية إلى الأبد.
Comments ( 0 )