ناصر بوريطة.. الدبلوماسي العصري ورجل المهمات الصعبة يقود قاطرة التنمية نحو مغرب جديد
يُعد السيد ناصر بوريطة أحد أبرز أعمدة الدبلوماسية المغربية الحديثة، مجسدًا صورة رجل الدولة الذي لا يثير الضجيج، بل يُراكم المكاسب بصمت وفاعلية. كما يتميز بهدوء الملامح وصرامة المواقف ودقة التحركات. يجمع بين الرؤية الاستراتيجية والتنفيذ الحرفي للتوجيهات الملكية السامية، مما جعله فعلا رجل المهمات الصعبة في زمن التحولات الكبرى التي يشهدها العالم المتقلب.
من قلب تاونات إلى مراكز القرار
ولد ناصر بوريطة في 27 ماي 1969 بمدينة تاونات، ليشق طريقه نحو مراكز القرار عبر التدرج الأكاديمي بخطى واثقة، حيث حصل على الإجازة في القانون العام سنة 1991 من جامعة محمد الخامس بالرباط، ثم تابع دراسته لينال دبلومين في العلاقات الدولية والقانون الدولي العام سنتي 1993 و1995. هذا التكوين القانوني والدبلوماسي العميق مكنه من اقتحام عالم السياسة الخارجية بأسس متينة وطموح عالي ساهما في ما وصل له الدبلوماسي المغربي المحنك.
مسار دبلوماسي صاعد بثبات وتفوق
التحق السيد ناصر بوريطة سنة 1992 بوزارة الشؤون الخارجية، وشغل مناصب متعددة داخل الإدارة المركزية، ثم انتقل للعمل في السفارات المغربية بفيينا وبروكسل. فكانت تلك التجارب الدولية محطات تكوين دبلوماسي ميداني صقل مهاراته التفاوضية. ومنذ بداية الألفية بدأ يترقى سريعًا داخل الوزارة حيث تولى:
_ رئاسة مصلحة الأجهزة الرئيسية بالأمم المتحدة سنة 2002
_ رئاسة قسم الأمم المتحدة (2003–2006)
_ إدارة مديرية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية (2006–2009)
_ إدارة ديوان وزير الخارجية
_ الإدارة العامة للعلاقات متعددة الأطراف والتعاون الشامل
وفي سنة 2011، أصبح الكاتب العام للوزارة، ثم وزيرًا منتدبًا في 4 فبراير 2016، ليعين في 5 أبريل 2017 وزيرًا للشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وأُعيد تعيينه مرة أخرى في أكتوبر 2019.
إنجازات تحمل توقيع بوريطة
تحول بوريطة في فترة وجيزة إلى أحد أبرز الفاعلين في صياغة ملامح السياسة الخارجية المغربية الجديدة، ومن أبرز إنجازاته:
_ الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء (2020): إنجاز دبلوماسي تاريخي جاء نتيجة تحرّك مدروس ومكثف بقيادة بوريطة، وتنفيذًا دقيقًا للتوجيهات الملكية السامية.
_ استئناف العلاقات مع إسرائيل: خطوة استراتيجية جرت ضمن رؤية مغربية مستقلة، تأخذ بعين الاعتبار مصالح المملكة العليا دون التفريط في المواقف الثابتة من القضية الفلسطينية.
_ تأمين معبر الكركرات: في واحدة من اللحظات الحساسة، مثّل التحرك المغربي لتأمين الكركرات نموذجًا للتكامل بين العمل الدبلوماسي والميداني، وحسم الموقف دون الانجرار نحو التصعيد.
_ فتح قنصليات في العيون والداخلة: أكثر من 20 دولة فتحت تمثيليات لها في الأقاليم الجنوبية، كنتيجة مباشرة لتحرّك دبلوماسي مدروس دعمًا للسيادة المغربية.
_ ترسيم الحدود البحرية: خطوة سيادية أثارت اهتمامًا دوليًا، تمثلت في تحديد المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة للمغرب على امتداد 200 ميل بحري.
_ المشاركة الفعالة في تسوية الأزمة الليبية: من خلال اتفاق الصخيرات واستضافة جولات الحوار، رسّخ المغرب صورته كوسيط نزيه وشريك موثوق في حل النزاعات.
_ تعزيز الشراكة مع إفريقيا: من خلال توسيع قاعدة الاستثمارات، وتمكين الجاليات، وتطوير التعاون جنوب-جنوب بما يخدم مصالح القارة ككل.
كلها إنجازات نوعية تجسد دبلوماسيته الفطنة في تنزيل التوجيهات الملكية السامية، وتحقيق نجاحات استراتيجية في ملفات معقدة لبناء مغرب جديد متقدم وقوي.
بوصلة دبلوماسية نحو العمق الإقليمي والدولي
لم يقتصر حضور بوريطة على الملفات الثنائية والإقليمية، بل قاد وفود المغرب في محطات دولية كبرى أبرزها:
_ القمة العربية الإستثنائية بالقاهرة سنة 2023: حيث ترأس اجتماع وزراء الخارجية في خضم العدوان على غزة، مؤكدًا الموقف المغربي الراسخ والداعم للحق الفلسطيني.
_ رئاسة منصة مراكش لمحاربة الإرهاب سنة 2024: من خلال التأكيد على التزام المغرب بمقاربة شاملة في مواجهة التهديدات العابرة للحدود.
_ زيارته الرسمية للجزائر للمشاركة في التحضير لقمة جامعة الدول العربية: والتي مثّلت رغم الخلافات السياسية، إشارة واضحة إلى رغبة الرباط في الحوار وبناء الجسور على قاعدة السيادة والاحترام المتبادل.
_ حضوره القوي والمتواصل إقليميًا ودوليًا: رسّخ معالم التعاون المشترك الجاد والمستمر لتحقيق المصالح المنشودة.
دبلوماسية من أجل التنمية
وراء هذا الزخم السياسي، تُشير تحركات بوريطة إلى دبلوماسية ذات بعد تنموي واضح. فكل خطوة سياسية تهدف في جوهرها إلى دعم الاقتصاد الوطني، جذب الاستثمارات، وحماية مصالح الجاليات المغربية، خاصة في إفريقيا وأوروبا. فالدبلوماسية المغربية اليوم لم تعد مجرد ترف سياسي، إنما أداة استراتيجية لخدمة مشروع التنمية الوطنية الشاملة.
بوريطة في الظل يكتب مستقبل المغرب
ناصر بوريطة ليس مجرد وزير خارجية، بل هو الواجهة الهادئة لدبلوماسية مغربية جديدة، تقوم على الواقعية، والتخطيط بعيد المدى، وحسن استثمار التوازنات الإقليمية والدولية بذكاء استراتيجي. فهو رجل دولة بامتياز، يتحدث قليلاً ويتحرّك كثيرًا، لا يلهث خلف الأضواء، بل يختار الظل لينجز ما يعجز عنه كثيرون في الضوء.
وفي ظل التحديات المعقدة إقليميًا ودوليًا، يقود بوريطة قاطرة السياسة الخارجية بحنكته وعقلانيته، حاملاً معه رؤية ملكية لمغرب قوي، فاعل، ومتوازن في محيطه، ومساهمًا في بناء مغرب جديد، أكثر حضورًا، أكثر تأثيرًا، وأكثر قدرة على فرض نفسه كشريك استراتيجي فاعل في عالم لا يرحم الضعفاء ويعترف بالقوة فقط. ويبقى السؤال المطروح بشجاعة:
_ هل نرى مسؤولين بكفاءة بوريطة وحنكته الدبلوماسية وعمله الجاد؟
_ ثم هل هناك إرادة قوية ومسؤولة لبناء مغرب جديد؟
بوريطة يمثل نموذجًا للدبلوماسي الذي يعمل بصمت لكن بفعالية، مساهمًا في صياغة سياسة خارجية تخدم مصالح المغرب العليا. السؤال الأهم ليس فقط عن وجود كفاءات مماثلة، بل عن إمكانية توظيفها في إطار استراتيجية شاملة لـ”مغرب جديد” قوي ومؤثر في عالم متقلب.