نحو جيل digital citizen.. إدماج التربية الإعلامية في المناهج التعليمية

نحو جيل digital citizen.. إدماج التربية الإعلامية في المناهج التعليمية

 

 

 

تشهد الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين سلسلة من المشاورات الموسعة تهدف إلى مراجعة المناهج الدراسية، وذلك في إطار سعي المملكة لتطوير نظامها التعليمي بما يتماشى مع متطلبات العصر.

 

ومن بين المواضيع التي برزت بقوة في هذه المشاورات، إدراج “التربية الإعلامية” كمكون أساسي ضمن البرامج التعليمية، وهي خطوة تأتي استجابة للتحولات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم، والتي أعادت تشكيل طرق التفكير والتفاعل مع المعلومات. تهدف هذه المبادرة إلى تمكين المتعلمين من أدوات التفكير النقدي، وتعزيز قدراتهم على التعامل مع طوفان المحتويات الرقمية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية.

 

التربية الإعلامية تعتبر ضرورة عصرية

في ظل الانتشار الواسع للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فقد أصبحت المعلومات متاحة بشكل غير مسبوق، لكن هذه الوفرة جاءت مصحوبة بتحديات كبيرة، أبرزها انتشار المعلومات المغلوطة والمحتويات المضللة. يواجه المتعلمون اليوم تحديات معقدة في التمييز بين المصادر الموثوقة والمعلومات المغرضة، مما يجعل التربية الإعلامية ضرورة ملحة لتأهيلهم للتفاعل الواعي مع هذا الفضاء الرقمي.

 

فالتربية الإعلامية لا تقتصر على تعليم الطلاب كيفية استخدام التكنولوجيا، بل تمتد إلى تزويدهم بالمهارات اللازمة لتحليل المحتوى، تقييم مصداقيته، والتفكير النقدي فيما يتلقونه من معلومات.

 

اما عن أهمية التربية الإعلامية في السياق المغربي

فيؤكد الفاعلون التربويون في المغرب أن المدرسة مطالبة اليوم بمواكبة التغيرات السريعة التي طرأت على بيئة المتعلم. فالطالب المغربي، مثله مثل أقرانه في العالم، يعيش في بيئة مشبعة بالمحتوى الرقمي، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، المواقع الإلكترونية، أو منصات البث. هذه البيئة، رغم ما تقدمه من فرص هائلة للتعلم والتواصل، تحمل في طياتها مخاطر مثل التعرض للمعلومات الزائفة، الإشاعات، أو حتى المحتويات غير الأخلاقية (الاباحية, السب و القذف و التنمر..). ومن هنا، يبرز دور التربية الإعلامية في تمكين الطلاب من أدوات التحليل والتمييز، مما يساعدهم على اتخاذ قرارات مستنيرة والتفاعل بمسؤولية مع الوسائط الجديدة.

 

إدراج التربية الإعلامية في المناهج الدراسية كما طالبنا بذلك في جريدتنا المتواضعة منذ انطلاقتها في تجربة صحافة الحلول، يهدف إلى تحقيق عدة أهداف. أولاً، تعزيز التفكير النقدي لدى المتعلمين، بحيث يصبحون قادرين على تقييم المعلومات بناءً على مصداقيتها ومصدرها. ثانياً، حماية التلاميذ من المخاطر الرقمية مثل الاحتيال الإلكتروني، التنمر الرقمي، أو التعرض لمحتوى ضار. ثالثاً، تمكينهم من استخدام التكنولوجيا بشكل إيجابي ومنتج، سواء في تعليمهم أو في حياتهم اليومية. بهدف، تعزيز المواطنة الرقمية، التي تتطلب من الأفراد التفاعل بأخلاقية ومسؤولية في الفضاء الرقمي.

 

رغم الأهمية الكبيرة لإدماج التربية الإعلامية في المناهج التعليمية، فإن مثل هذه المبادرات كسابقاتها تواجه تحديات عديدة. أول هذه التحديات هو الحاجة إلى تكوين المعلمين وتزويدهم بالمهارات اللازمة لتدريس هذا المكون بفعالية. فالتربية الإعلامية تتطلب نهجًا تعليميًا جديدًا يعتمد على التفاعل والتحليل، وليس مجرد نقل المعلومات. كما أن هناك حاجة إلى تحديث البنية التحتية التكنولوجية في المدارس، بما يضمن توفير الأدوات اللازمة لتطبيق هذا النوع من التعليم. ولا يمكن إغفال الحاجة إلى إشراك الأسر والمجتمع في هذا المشروع، حيث إن التربية الإعلامية لا تقتصر على المدرسة بل تمتد إلى البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها التلاميذ.

 

ومع ذلك، فإن الآفاق التي تفتحها هذه المبادرة واعدة للغاية. فمن خلال إدماج التربية الإعلامية، يمكن للنظام التعليمي المغربي أن يسهم في بناء جيل واعٍ ومستعد لمواجهة تحديات العصر الرقمي. هذا الجيل لن يكون مجرد مستهلك للمعلومات، بل منتجًا لها، قادرًا على المساهمة في بناء مجتمع معرفي قائم على الحقائق والمصداقية digital_citizen.

 

منظور أوسع:

 

إن إدماج التربية الإعلامية في المناهج الدراسية المغربية يمثل خطوة استراتيجية نحو تحديث النظام التعليمي ومواكبة متطلبات العصر. إنها فرصة لتأهيل جيل جديد من المتعلمين القادرين على التعامل بذكاء ومسؤولية مع الفضاء الرقمي، والمساهمة في بناء مجتمع أكثر وعيًا وتفاعلاً. ومع استمرار المشاورات في الأكاديميات الجهوية، يبقى الأمل معقودًا على أن تتحول هذه المبادرة إلى واقع ملموس، يعزز مكانة المدرسة المغربية كفضاء للإبداع والتفكير النقدي.

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .