ندوة فكرية في أسفي ناقشت أزمة ندرة المياه بمشاركة عدة أطراف معنية
انعقدت يوم الجمعة 19 جويلية ،ندوة فكرية حول موضوع ندرة المياه في ملحقة جهة مراكش آسفي بعنوان “المغرب في مواجهة تحديات ندرة المياه على ضوء التغيرات المناخية ” والتي جمعت مجموعة متنوعة من الأطراف المهتمة بالوضع الراهن لاشكالية الماء. الندوة، التي نظمتها( هيأة المساواة و تكافؤ الفرص و مقاربة النوع بالمجلس الإقليمي بأسفي)، شهدت حضوراً كبيراً من ممثلي المجتمع المدني، والخبراء الأكاديميين، والمنظمات غير الحكومية.
وبدأت الندوة بعد تلاوة آيات من القرآن الكريم و تحية العلم بكلمة افتتاحية ألقاها مسير الندوة ذ توفيق اليازجي، الذي أكد فيها على الأهمية البالغة لقضية ندرة المياه في ظل التغيرات المناخية وزيادة الطلب على الموارد المائية بالمغرب. وأشار إلى أن التحدي الذي نواجهه ليس تقنياً فقط، بل يحتاج إلى تضافر جهود جميع الأطراف وتفاعلهم بشكل ابتكاري ومستدام.
تضمنت الندوة التي استمرت زهاء اربع ساعات ،مداخلات أكاديميين قدموا فيها مجموعة مفصلة من المواضيع عن الوضع الحالي للموارد المائية في إقليم آسفي. كان فيها لمداخلة رئيس المجلس الإقليمي السيد عبد الله كريم النصيب الأكبر في الكشف عن تخاذل بعض الجهات في فتح باب التواصل مع المنتخبين المحليين و الساكنة فيما يخص مجموعة من النقط التي تحتاج لبعض الوضوح الذي يصب في اتجاه خفض منسوب الاحتقان الذي عرفته المدينة مؤخراً بسبب غياب المعلومة الصحيحة عن جودة مياه محطة التحلية. و أكد في مداخلته أنه أمر يحز في النفس ” اننا شركاء مع متدخلين لم يحضروا” مضيفاً “كنا نتمنى نتمنى أن تكون فرصة للنقاش و الوصول إلى الحلول بذل غياب التواصل، وهذا وضع يضع الناس في شك، هذا دور المؤسسات ” يضيف أنا من منتقدي OCP على الرغم من جهوده المبذولة في التنمية، لكن هانك دائما ما يحز في النفس -مذكرا- أن زيارة خفيفة لواجهة المركب الكيماوي بأسفي لا تشرف و غير مراعية للمحيط البيئي . على العموم و بصفتي منتخب على إقليم آسفي اقول لكم أن آسفي تجنبت الاسوء لأننا من السباقين في إيجاد حلول لندرة المياه…عكس أقاليم أخرى. لكن لا يفوتني و انا ابن العالم القروي أن اذكركم بأن هذا الأخير يعيش ظروفا صعبة، و اننا نقوم على ربط آسفي البخاتي بالمياه خلال السنة المقبلة، و هذا مؤشر إيجابي لنقص الضغط”.
من جهته أكد رئيس المجلس البلدي بأسفي السيد نور دين كموش ما جاء على لسان رئيس المجلس الإقليمي، مضيفاً أن المجالس تحكمها مجموعة من القوانين و الأجندات، و ما اهتمام هيئة تكافؤ الفرص بتنظيم هذه الندوة إلا لضرورة إخراج مثل هذا النقاش للعامة، و تجنب الانزلاق نحو فقدان المسؤولية و الجدية في إيصال المعلومة، و أكد أن إيصال الماء للمواطن هو من اختصاص الجماعة، لذلك أكدنا على حضورنا لتجنب النقاش في فضاءات غير مسؤولة، ربما هذا ما جعل من الإداريين يختلفون عن حضور مثل هذه الندوات، يقصد هنا مجلس إدارة وكالة توزيع الماء و الكهرباء و إداريي المكتب الشريف للوسفاط OCP. و ارتباطا بموضوع الانقطاعات المتكررة أكد كموش أن المدينة تتوفر على الاكتفاء من الماء في الأيام العادية بمعدل احتياطي لـ 16 ساعة توفرها وكالة التوزيع في حين أن المطلوب هو 24 ساعة كا حتياطي، وهذا موضوع مطروح للنقاش للعمل به في السنة المقبلة في انتظار بناء خزانات جديدة. مؤكدا على عملية تدبير الماء مرتبطة بتدخل مجموعة من المتدخلين و ذكر في هذا الإطار على سبيل المعمول به في آسفي ،ان RADES مكلفة بمهمة التوزيع و هذا اختصاص مفوض من طرف الجماعة ،اما الإنتاج فهو من اختصاص الدولة ممثلة في مؤسساتها، يضيف لا اخفي عليكم دهشتي من معاينتي لمراحل دورة الماء حتى تصل ساكنة، لأنها عملية يجب أن تدخل في إطار تربية الأطفال.
الندوة لم تتوقف عند حدود الآراء السياسية للمنتخبين، إذ عرف النقاش مداخلة مهمة للدكتور ادريس لكريني الاستاذ الجامعي الذي كشف عن قرب خروج آخر أعماله الأكاديمية بإصدار كتاب ( تدابير الكوارث بالمغرب) و هو العمل الذي أوضح أنه سيسلط الضوء على مجموعة من التدابير المتخذة مم طرف المغرب في مواجهة الكوارث، مثل الزلازل و الحرائق و الجفاف، هذا الأخير الذي خص له مداخلة مطولة في كلمته متجاوزا معناه اللغوي الذي يعرفه على أساس أنه القحط و انحباس المطر ،مؤكدا في هذا السياق أن موضوع الماء هو موضوع حيوي مرتبط بالأمن الغذائي و انتشار الأوبئة، مستحضرا دراسة رسمية اوضح عبرها أن المغرب عاش محطات من الجفاف تتباين بين اشهر و سنوات عبر تاريخه، أفرزت خسائر اقتصادية و أضرت بالنظام البيئي و إنخفاض حقينة السدود، فترات اخدت فيها الدولة مجموعة من الإجراءات، لخفض الإستغلال العشوائي و تقديم المساعدات العينية و اعتماد تدابير صارمة، وهذا من اختصاص الدولة كما أكد في مداخلته. و لم يفت الدكتور لكريني أن يذكر بأن المغرب الآن في مرحلة صعبة، و أن حصة الفرد من الماء في تناقص غير مسبوق بالنظر إلى واقع المشكل الهيكلي للجفاف. الذي قد يمتد من سنة إلى ست سنوات على غرار سنوات 1935 و سنوات الثمانينات من القرن الماضي، سنوات خلفت الكثير من الأوبئة و أثرت على التنمية و شجعت على الهجرة القروية نحو المدن، و إذا كنا نستعمل مصطلح الأمن المائي في ابحاثنا الأكاديمية يوضح الدكتور : فليس من زاوية عسكرية كما يحصل بين بعض الدول حاليا في نزاعاتها، لكن ارتباطا لهذه المادة الحيوية بالأمن الروحي و الامن الغذائي للمغاربة، لأن للمغرب تجربة متفردة في تدبير الماء تاريخيا، و يمكنكم زيارة معرض الماء بمراكش للاطلاع على تاريخ المغرب الذي طور آليات متفردة لتدبير هذه المادة الحيوية، من خطارات و آبار و سقايات و مهن اضطلعت بتدبير الماء و توزيعه على القرى و المداشر، و حتى لا ننسى أن الماء مرتبط بالعدالة، و حتى لا ننسى في هذه الندوة أن المشكل عالمي و مطروح، حيث أن ثلثي ساكنة العالم ستعاني من ندرة للماء و الحروب المستقبلية على هذه المادة الحيوية كما نبه لذلك الراحل الحسن الثاني، لأن وفرة الماء مرتبطة بجودة الحياة، و هذا ما يجب الإنتباه له من طرف المسؤول الترابي في تحمل مسؤوليته في التدبير. لأننا أمام وضع تتنامى فيه الاحتياجات مقابل ضعف الاحتياطات و ضهور أنشطة مستهدفة الفرشة المائية. وضع يضعنا في مواجهة مفارقة الاستهلاك المتزايد أمام الإمكانيات محدودة، ولأن اعتمادنا على الأمطار أصبح أمر غير مضمون كذلك الأمر بالنسبة للسياسات التي كانت تبني أرقامها المستقبلية على ما تجود به السماء، لقد اصبحت سياسات بلى فائدة. كما أن الاختلالات المجالية تدق أكثر من ناقوس خطر حيث أن %7 مساحة البلاد تحظى حاليا بـ %50 من إجمالي الموارد المائية، في بعض المناطق لا تتجاوز حصة الفرد اليومية100م³ في حين ينعم أفراد بمناطق أخرى بـ 1000م، و هذا في حد ذاته مشكل يهدد الأمن و على الدولة التدخل لتعزيز الأمن المائي و تحقيق العدالة المجالية بمبادرات خلاقة و الوقوف على سير الخطط و الاستراتيجيات المتخدة لتحقيق الأمن و العدالة في توزيع الثروة. اذكر مرة أخرى أننا أمام مشكل قوي و يتطلب تدخل مجموعة من الأطراف للسهر على توفير الماء للمواطن، و لا اخفي عليكم و انا ابن العالم القروي أن قريتي عانت خلال الجفاف الذي ضرب المغرب في الثمانينات، كنت خلالها اتابع دراستي الجامعية و كان لي صديق بالوزارة أخبرني مرة أن عاهل البلاد حينها كان يجري اتصالاً في رابعة صباحا لاستفسار الوزير عن إنطلاق الباخرة المحملة بالماء من مدينة الجديدة لتوفير احتياجات مدينة طنجة التي كانت حينها تعاني بقوة من شح الموارد المالية، “هذا رآه الماء” يقول الملك الراحل. و حتى اليوم فالامر يتطلب اجتهاد لتحويل الماء من المناطق الأكثر وفرة إلى المناطق المتضررة، و هي مقاربة تشاركية و إطار قانوني ينظمه الدستور من خلال الفصل 31 منه الذي ينص على ان تعمل الدولة على قدم المساواة مع المواطنين لتوفير احتياجاتهم. لكن يبقى السؤال المطروح عند الدكتور لكريني : هل من تشجيع للبحث العلمي للإجابة عن مجموعة من الأسئلة التي يطرحها المواطن، و هل من استراتيجية تربوية لتنوير الأجيال الصاعدة بأهمية الماء، اين ثقافتنا المجتمعية.
من جهة أخرى أعرب الحضور المميز لساكنة المدينة باختلاف انتماءاتهم الحقوقية و الجمعوية عن اهتمامها بموضوع الندوة، و كانت فرصة له لطرح مجموع التساؤلات بمسؤولية على المتدخلين، كشفت عن وعي المواطن بأهمية النقاش الذي استفاض و طرح مجموعة من النقاط التي تؤرق اهتمامات حاضرة المحيط، و على رأسها تكرار الانقطاعات في التزويد بالماء و مدى جودته، حيث أكد المسؤولون على ما سبق و أن بعض التحاليل المخبرية التي أجراها المكتب الوطني و الدرك الملكي تؤكد خلو مياه محطة التحلية من اي شوائب قد تؤثر على الصحة العامة، جودة المياه استأثرت بالحيز الأكبر في تدخلات الحضور الذي كشف أكثر من مرة بأن مشكل جودة مياه المحطة مرتبط بقرب المركب الكيماوي من مصدر مياه البحر التي تستعمله المحطة، و أن جودة مياهها لن ترضي الساكنة إلا بعد تمديد أنبوب الشفط إلى حدود ستة كيلومترات عن مخلفات مصنع الفوسفاط الذي استأثر بالحصة الأكبر لمياه الشرب سواء في الماضي او حاضر مدينة آسفي.
Comments ( 0 )