“الإلتراس” في المغرب .. من المدرجات إلى حمل هموم الشعب

كريم أخنخام – (بتاريخ 15 يونيو 2021)

تعتبر كرة القدم الرياضة الأكثر انتشاراً عبر العالم، لهذا لقبت بالرياضة الشعبية الأولى، بحيث تحتفي كل أربع سنوات بكأس يجمع أقوى منتخبات العالم.

في المغرب، الأمور لا تختلف كثيرا، فكرة القدم كانت الرياضة الشعبية الأولى في المملكة منذ فترة ما قبل الحماية، وخلال فترة هذه الأخيرة، شهد المغرب مأسسة نسبية اللعبة، وظلت كرة القدم صامدة بعد استقلال المملكة المغربية سنة 1956.

    فصيل ” الوينرز” المساند للوداد الرياضي . 
  • ظهور ” الألتراس ” :

منذ ذلك التاريخ، كان منسوب ارتباط الشعب المغربي باللعبة يرتفع سنة تلو أخرى، إلى أن بلغ أشده مطلع القرن ال21. الذي شهد بروز ظاهرة جديدة تسمى ” الألتراس “، ظهرت لأول مرة في شكلها الحالي بالملاعب اللاتينية والأوروبية (ايطاليا) في القرن الماضي، لتصل إلى المغرب سنة 2005 تحديداً، فشهدت تأسيس مجموعات بقيت صامدة إلى اليوم؛ ك “الوينرز” و”الغرين بويز” و”إلترا عسكري” ..

  • مفهوم جديد للإلتراس :

لم تكن الإلتراس مجرد مجموعات بشرية تتهافت على مدرجات الملاعب، عند كل نهاية أسبوع لتشجيع فرقها. بل كانت تنظيمات شبابية تتجاوز أدوارها ماهو رياضي إلى ما هو اجتماعي واقتصادي وسياسي.
وعلى الرغم من أنها بدأت برفع شعارات رياضية فقط في الملاعب، إلا أن هذه الظاهرة تبلورت كثيرا منذ ذلك الحين، فصارت الآن تثور في وجه المشاكل المجتمعية، بشعارات وأهازيج وآغاني ثورية ضد الأوضاع الإجتماعية والقرارات الحكومية ..، ظهر ذلك جلياً في السنتين الماضيتين مع “في بلادي ظلموني” و” قلب حزين” و”رجاوي فلسطيني” إلى غير ذلك من أغاني الألتراس التي اجتاحت منصات مواقع التواصل الاجتماعي واليوتوب، ووصلت إلى شاشات القنوات التلفزية في كل أرجاء العالم.

نحن إذا بصدد تحول جذري في أدوار هذه المجموعات، بحيث انتقلت من المقاربة الرياضية لمشاكل فرقها الرياضية، إلى مقاربة المشاكل والظواهر السياسية والإجتماعية.

  • قرار حظر الإلتراس :

هذا التحول تعاملت معه الحكومة المغربية بنوع من الإستعلاء في المرحلة الأولى – بداية العقد الماضي-، عندما أقدمت على حظر هذه المجموعات، وصادرت ممتلكاتها، ومنعت دخولها للمدرجات مرة أخرى، بمبرر إحداث الفوضى والشغب في الملاعب.
خطوة ردت عليها “الألتراس” بالإتحاد تحت مظلة واحدة “اتحاد الألتراس المغربي”، فقررت مواجهة هذه القرارات التي اعتبرتها “قمعية” لأصواتها “الحرة”، بمقاطعة المباريات والضغط عبر الشارع والإعلام وكل ما هو متاح لها، بالإضافة إلى التضامن الذي لقيته من مجموعات أخرى تنشط بدول مجاورة كالجزائر وتونس ومصر.

  • عودة الإلتراس .. بأفكار جديدة وجرأة أقوى :

لقد أدت المقاومة والممانعة التي أبانت عليها “الألتراس” المغربية، طيلة فترة الحظر، إلى تراجع وزارة الداخلية عن قرارها، فسمحت بإستئناف أنشطتها وعودتها للملاعب، ولو بشكل بدا جزئيا. إلا أن القرار شكل فسحة وبارقة أمل لهذه المجموعات، التي عادت بقوة، وبدأت شيئا فشيئا تظهر معالم تحول كبير في عقليتها وممارستها.
يؤكد “أيمن” وهو أحد أعضاء “إلتراس” وطنية، أن فترة الحظر على نشاط مجموعتهم، كانت فارقة؛ ” لقد قمنا باستغلال فترة الحظر في استقطاب المزيد من المنخرطين، واشتغلنا على تقوية الجبهة الداخلية، عبر مراجعة أفكارنا ومنهجية اشتغالنا، لتجنب الأخطاء التي وقعنا فيها في الفترة السابقة ” .
لم تكن الإلتراس التي ينتمي إليها “أيمن” (رفض ذكر اسمها)، إلا نموذجا لا يختلف كثيرا عن ما قامت به المجموعات الأخرى خلال تلك الفترة.

فصيل ” غرين بويز” المساند للرجاء الرياضي .
  • من حركة رياضية إلى حركة اجتماعية وسياسية :

لقد تجاوز الأمر مجرد تجمع للمشجعين الرياضيين إلى ما يمكن أن يوصف بالحركة الاجتماعية التي باتت تلفت انتباه المتتبعين والباحثين. يصّرح الأستاذ “علي أنوزلا” وهو صحفي مغربي وكاتب رأي وباحث في القضايا الإجتماعية، “أن حركة “الألتراس” تحولت من حركة رياضية إلى حركة اجتماعية، تبلورت من خلال اتخاذ مدرجات الملاعب منصّاتٍ للتعبير عن مطالبها، ورفع شعاراتها السياسية”. ويضيف أنوزلا أن “الظاهرة بدأت تجتاح الملاعب الرياضية من خلال تكرار الظاهرة، وترديد الشعارات السياسية نفسها، وأحيانا كثيرة إبداع شعارات جديدة، بل وانتقل الأمر إلى نظم أغانٍ وأهازيج سياسية مائة بالمائة، تحمل خطابات سياسية قوية، منتقدة ومعارضة ورافضة، تعبّر كلماتها عن الظلم والتهميش، وتنتقد غياب العدالة الاجتماعية، وضعف الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم، وتهاجم المؤسسات، مثل الحكومة والبرلمان، وتتوجّه إلى أعلى سلطة في البلاد، بلغةٍ مباشرةٍ قويةٍ”. فتحولت الألتراس بذلك إلى حركة ذات أبعاد اجتماعية وسياسية تتجاوز ماهو رياضي فقط.

لقد أخطأت السلطة في رهانها على إخماد صوت هذه الفئة العريضة التي شكلت عودتها للميادين بنفس جديد ضربة موجعة لمن كان يرمي إلى استئصالها وإزاحتها من المشهد، فقد تحولت “الألتراس” إلى صوت الشباب المغربي الذي أصبح يبعث برسائله لمن يهمه الأمر عبرها دون وساطة، أمام تراجع مهول لدول الأحزاب والنخب السياسية. وما رسالة “في بلادي ظلموني” و”قلب حزين” اللتان تردد صداهما في ملاعب مختلفة في المغرب وعبر العالم، إلا مؤشر واضح على كمية الغضب المخزون الذي يفرغ في المدرجات والذي لن يطول الأمد به حتى يتمدد في سائر الفضاءات العامة ما دام الاختناق هو شعار المرحلة.

إن الألتراس ليست مجرد حركة رياضية أو اجتماعية عابرة، بل هي تنظيم محكم، صار اليوم يضم نخب المجتمع من أساتذة ودكاترة وأطباء ومثقفين، اختاروا الألتراس عوض الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، مراهنين على قوة الأولى، ووحدتها التي تتجسد في حب الفريق وفي حب الوطن، والرغبة الجامحة في الرقي بمجتمعاتهم إلى الأفضل. وهي الرسالة التي تتمنى اليوم هذه المجموعات أن تصل إلى صُنّاع القرار، فالألتراس صارت حقيقة لا رجعة فيها، وواهم من يراهن على زوالها، وبالتالي فإن الحل الوحيد لمقاربة هذه الظاهرة الفريدة، ليس إلا فتح قنوات التواصل معها والإنصات بإمعان لرسائلها، قصد مقاربتها بمسؤولية.

وهكذا ستصير “الألتراس” جزءا من الحل، عوض أن تكون مشكلة .

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)