الهوى بيضاوي…

الهوى بيضاوي…

 

 

 

كازابلانكا، البيضاء، الدار البيضاء… سمِّها ما شئت. يا لها من حاضرة! إنها ليست مجرد عاصمة اقتصادية أو نقطة على خريطة المغرب، بل هي قلب ينبض بالحب، معانقًا كل من يطأ أرضها. عندما عدت إليها بداية هذا الشهر، قادمًا من معرض الكتاب الدولي بالرباط متجهًا إلى آسفي، شعرت بقلبي يُجذب إليها كما لو كانت تناديني. توقفت، لا لأسترجع ذكريات الدراسة الجامعية و العمل فحسب، بل لأعانق مدينة أحببتها وأحبتني، مدينة تحتل عرش المخيال المغربي والعربي. الدار البيضاء ليست مجرد شوارع وبنايات، إنها أحضان دافئة، قصة حب مرسومة بألوان التاريخ، مزهرة بالإنسانية، ومتوهجة بروح التمغرابيت التي تجعلها تتألق بين كبريات عواصم العالم، تجعلك تشعر بالانتماء، و فخر أنك مغربي.

نسيج من الحب عبر التاريخ

Casa Blanca

، منذ القدم، كانت ملتقى القلوب. فتحت ذراعيها للباحثين عن الحياة الكريمة من كل ربوع المغرب، وعانقت العرب و العجم والأمازيغ وسكان جنوب الصحراء، لتنسج منهم لوحة حب لا تُضاهى. هذا الحب يتجلى في شوارعها، حيث تتعانق البنايات الكولونيالية من زمن الانتداب الفرنسي مع الزخارف المغربية الأصيلة، كأنها قصيدة عشق تجمع بين الأمس واليوم. من درب السلطان إلى بوسبير، من المدينة العتيقة إلى عين الذياب والحي المحمدي، كل زقاق في هذه المدينة يهمس بقصص حب وانتماء. كما يقول الفنان حسن الفد بضحكته الدافئة: “أنا عاديل قبل ما يتزاد عاديل”، فالدار البيضاء هي الحب الذي يسبق الوجود.

تاريخها شاهد على قلبها الكبير. من مؤتمر أنفا عام 1943، حيث فتحت أبوابها لقادة العالم لإنقاذ البشرية من ظلام النازية، إلى اختيارها في عهد الملك الحسن الثاني لاحتضان المسجد منارة الحضارة الاسلامية، تلك المنارة التي تستقبل نور المشرق منتظرتاً غرة الشهر من الغرب، كأنها تعانق العالم بحب. هذه المدينة، التي عشقها الملوك وأحبها القادة، ظلت دائمًا منارة سلام وحب، تحتضن الجميع كأم حنون، فكم من عزيز قوم ذل احتضنته، وكم من قلب تائه وجد فيها موطنًا.

نبض الحاضر: قلب ينبض بالدفء

اليوم، الدار البيضاء هي أحضان دافئة تنبض بالحياة. كصحافي و طالب أؤمن بالحلول المجتمعية، وجدت فيها تجربة حب متفردة، تجمع بين الانتماء والأمل والدفء الإنساني. روح التمغرابيت تتجلى في عيون البيضاويين المتلألئة، في ابتساماتهم التي ترحب بك كأنك أحد أهل البيت. يكفي أن تسأل عن عنوان، فيأخذون بيدك بحب، يرشدونك وكأنك أخ لهم لم يلتقوه من قبل. تحياتهم في مفترقات الطرق، دعواتهم الصادقة، وكرمهم الذي يغمر الضيوف، كلها تعبيرات عن قلب كبير يعرف معنى الحب.

 

البيضاويون يجعلونك تشعر أنك في بيتك. سواء كنت تتجول في شوارع بورگون، أو في شوارع الحي، أو كريان سنترال أو العرصة، أو درب ميلان أو تتنفس نسيم عين الذياب، تشعر أن المدينة تحتضنك، كأنها تغني لك أغنية حب مغربية. إنهم يدعمون أحلام المجتهدين، يمدون يد العون لكل عابر، ويزرعون الأمل في كل قلب. هذه الروح تجعل الدار البيضاء مدينة لا تُنسى، مدينة الحب بكل تجلياته: حب الإنسان، حب الوطن، وحب الحياة. كل خطوة فيها، من سيدي بليوط إلى شاطئ الكورنيش، هي دعوة لتعيش قصة حب لا تنتهي.

حب ينافس العالم

ما يجعل الدار البيضاء تنافس كبريات العواصم العالمية هو قلبها الذي يجمع بين الأصالة والحداثة بحب. عمرانها، من المباني التاريخية إلى الأبراج المتلألئة، يعكس طموحها العالمي، لكنه مشبع بدفء الروح المغربية. شوارعها الحيوية، من الأسواق التقليدية التي تفوح برائحة التوابل إلى المقاهي العصرية التي تعج بالضحكات، تضاهي لندن وباريس وونيويورك، لكن بلمسة تمغرابيت تجعلك تشعر أنك في حضن أم. خفة دم البيضاويين، نكاتهم التلقائية، وروحهم المرحة، كلها تجعلك تقع في غرام المدينة من أول لحظة.

 

بعد عودتي لها كصحافي، أرى أن الدار البيضاء هي مدرسة للحب والحلول المجتمعية. إنها مدينة تعيش فيها القيم الإنسانية كل يوم، حيث يتشارك الناس الأحلام والمساحات بروح التضامن. إنها مدينة تزرع الفخر في قلب كل زائر، وتجعله يحمل معه التمغرابيت، تلك الروح التي تجمع بين الكرم والحب والأمل. إنها مدينة تجعلك تشعر أنك تنتمي إليها، مهما كانت رحلتك قصيرة.

 

تدعوك لعيش الحب،

الدار البيضاء ليست وجهة سياحية، إنها قصة حب تنتظرك لتعيشها. زرها، تجول في شوارعها التي تفوح بعبق التاريخ، وانغمس في أسواقها ومقاهيها التي تنبض بالحياة. إنها مدينة تمنحك الأمل، تعانقك بحب، وتجعلك تشعر بالانتماء مهما كانت قصتك. هواها يأسر القلوب، ودفء أهلها يبقى في الروح إلى الأبد.

البيضاء في النهاية هي حب المغاربة، ونور العالم. زرها، عِش غرامها، واكتشف كيف تصبح جزءًا منك، تحمل معك نبضها ودفء قلبها أينما ذهبت. إنها الدار البيضاء، مدينة الحياة، الحب، والتمغرابيت الخالدة.

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .