الأمن المائي في المغرب: بين التحديات والممارسات المستدامة

الأمن المائي في المغرب: بين التحديات والممارسات المستدامة

 

 

 

لعل أهم التحديات التي يواجهها العالم حاليًا تتعلق بالأمن المائي، وهو ملف بالغ الحساسية يتخلله العديد من المخاطر التي قد تعرقل تحقيق أهداف الاستدامة العالمية. يرجع السبب في ذلك إلى افتقار بعض الدول للبنية التحتية الكافية لتخزين المياه وإدارتها بشكل مستدام، مما يزيد من حدة الأزمة. والمغرب ليس بمنأى عن هذا الوضع، إذ يواجه منذ عام 2018 موجات جفاف متتالية تزداد حدتها مع مرور الوقت، مما يطرح إشكالية كبرى تتطلب حلولًا مستدامة لمواجهة ندرة المياه والحفاظ على هذه الثروة الحيوية التي تعد أساس الحياة.

 

تغير المناخ وتأثيره على الموارد المائية

 

شهد العالم في الآونة الأخيرة تحولات مناخية قلبت موازين القوى الطبيعية، ما أدى إلى تفاقم الكوارث البيئية مثل الفيضانات، الجفاف، وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى انتقال العالم من مرحلة نقص المياه إلى مرحلة ندرتها، وهو ما ينذر بأزمات أشد خطورة في المستقبل. وإذا لم تُتخذ إجراءات فعالة، فقد تصبح المياه “العملة الصعبة” في العقود القادمة، بل وقد تندلع نزاعات بسببها لا قدر الله، في ظل تزايد الضغط على الموارد المائية عالميًا.

المغرب في مواجهة أزمة الجفاف

 

في ظل الأزمات العالمية المرتبطة بالجفاف وندرة المياه، يعيش المغرب وضعًا مماثلًا منذ عام 2018، حيث كشفت الدراسات أن الضغط على الموارد المائية سيتفاقم نتيجة التغيرات المناخية. وقد انعكس هذا الوضع على منسوب السدود الذي سجل تراجعًا غير مسبوق، ليكون بذلك من أضعف المؤشرات خلال الأربعين عامًا الماضية. في عام 2023، أظهرت بيانات أن منسوب السدود في المغرب بلغ 28.7% من طاقتها الاستيعابية، مما يعد انخفاضًا غير مسبوق خلال العقود الماضية. وقد دفع هذا الوضع الحكومة المغربية إلى اتخاذ تدابير عاجلة، مثل بناء محطات تحلية مياه البحر وبرامج لترشيد الاستهلاك.

الحلول المقترحة لمواجهة ندرة المياه

 

مع تزايد خطورة أزمة المياه، تبرز الحاجة إلى حلول مبتكرة ومستدامة لضمان الأمن المائي في المستقبل. وقد توصل الخبراء إلى مجموعة من التدابير التي يمكن أن تسهم في التخفيف من حدة الأزمة، أبرزها:

 

تطوير أنظمة لتنقية المياه

تعزيز تقنيات معالجة المياه لتوفير مياه صالحة للشرب تلبي الاحتياجات الأساسية للسكان.

ترشيد استخدام المياه

إطلاق حملات توعية وتشجيع الاستهلاك المسؤول للمياه.
تطبيق سياسات تحد من هدر المياه، سواء في الاستخدام المنزلي أو الصناعي.

 

تحسين وكفاءة الري

استبدال أنظمة الري التقليدية بحلول أكثر كفاءة مثل أنظمة الري بالتنقيط والرشاشات.
الحد من تبذير المياه في القطاع الفلاحي، الذي يستهلك حوالي 80% من الموارد المائية.

تخزين المياه

بناء خزانات لتجميع مياه الفيضانات واستغلالها خلال فترات الجفاف.
تطوير حلول لتخزين المياه الجوفية وضمان استخدامها المستدام.

تحلية مياه البحر

اعتماد محطات التحلية كمصدر بديل للمياه العذبة، رغم التكلفة الطاقية العالية لهذه التقنية.
توسيع شبكة محطات التحلية للاستفادة من السواحل المغربية الممتدة على 3500 كيلومتر.

إعادة استخدام المياه العادمة

معالجة المياه العادمة وإعادة استغلالها في الزراعة والصناعة للحد من الضغط على الموارد الطبيعية.

 

 

إن تغير المناخ لم يعد مجرد فرضية علمية، بل واقع ملموس يفرض تحديات كبرى على الموارد المائية. وبالنظر إلى الوضع الراهن، أصبح من الضروري أن تتبنى الدول وعلى رأسها المغرب، حلولًا جذرية ومستدامة لمواجهة أزمة ندرة المياه. يعتمد المستقبل المائي للأجيال القادمة على القرارات التي نتخذها اليوم، فإما أن نتصرف بحكمة أو نواجه عواقب خطيرة تمس الاستقرار البيئي والاقتصادي والاجتماعي.

 

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .