“تقرير عن أبرز سلوكيات القاصرين و العنف و أهم النظريات المؤطرة لاندماجهم”
تترك الجريمة بأنواعها اثاراً سلبية يهدد أمن الاشخاص واستقرار المجتمع ،لارتباطها ببنائه و طبيعة العلاقات داخله ، كما أنها جزء من حركية و تطور المجتمع غير ثابتة ؛لها خاصية الاستمرار والتطور مثلما تتطور الحياة الاجتماعية، لدرجة اننا أصبحنا اليوم في عصر التواصل الاجتماعي نشهد نوع جديد من الجرائم يعرف بالجرائم الرقمية أو الالكترونية وما يتصل بها من أشكال مختلفة لظاهرة التنمر الرقمي الذي يجد بيئة خصبة للانتشار على أرض الواقع أو حتى بطريقة معكوسة من الواقع إلى النشر على مواقع التواصل كما في بعض الحالات التي اختار فيها الجانحون نقل جرائمهم على المباشر أو التوثيق لها لنشرها فيما بعد، فلم تصبح الجرائم مقصورة على مكان جغرافي معين أو لغة معينة أو جنسية معينة بل تمتد لتشمل جرائم ضد الأطفال و الشيوخ و الأصول و الإنسانية ككل،يكون غالباً مرتكبوا هذه الجرائم قاصرين مع فقدان الأهلية عن قصد أو دونه ،يقعون غالبا في السلوك الإجرامي نتيجة جهلهم بالقوانين التي تحكم المجتمع اللذين يعيشون فيه،و هو ما يخلق لهم حالة من التمرد على الاعراف و القوانين ،و صدامات مع أولياء أمورهم و النظام العام ،سواء بفضاء المدرسة أو الشارع أو حتى في الأماكن العامة التي أصبحت فضاء مفضلا للإرهاب النفسي و التنمر و التحرش و الإخلال بالقيم الإسلامية التي أصبحت ترزح تحت وطأة رواج أفكار الانحلال المبطنة بالحداثة و التطور المزعوم،داخل و ساءط التواصل الإجتماعي خاصة عند القاصرين،و هذا الحال يزيد من أحاسيس الخوف عند الآباء و الفئات والطبقات الاجتماعية المختلفة بخطرالانتشار الواسع و المتكرر و بشكل متقارب للجرائم القاصرين المختلفة في المجتمع المغربي وارتفاع معادلاتها ،و بمبررات لا تتجاوز المسؤولية المدنية و التي غالبا ما يتحملها الآباء اللذين لا يستوعبون الفعل الجرمي لأبنائهم و مسبباته.
وبعيدا عن الخوض في ماهية الجرائم والسلوك الجرمي وابعاده الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والتطرق إلى اثاره ، لا بد من القول أن مفهوم الجريمة كظاهرة اجتماعية تعبر عن خلل وارتباك في العلاقات الاجتماعية والسلوك الاجتماعي وفي وسائل الضبط الاجتماعي التي تحكم معايير السلوك الاجتماعي و تجسد طبيعة التناقضات في المتغيرات الموضوعية والفيزيولوجية المؤثرة في بيئة القاصر وحياته الاجتماعية وتشخص ماهية الأفعال الجرمية الخارجة عن القيم و الاعراف والمعايير الاجتماعية التي تخضع للعقاب.
- البيئة
لتوصيف الظاهرة الاجرامية والسوك الانحرافي لدى القاصر داخل المجتمع المغربي، لا بد من القول إن عدة عوامل أثرت في التطور التاريخي للمجتمع الذي انتقل من مجتمع فلاحي تقليدي يشكل الثلثين الى مجتمع شبه صناعي تجاوز أكثر من نصف المجتمع .، أدى ذلك الى زيادة معدلات الجريمة ؛ كون التمدن أو (التحضر) يحتوي على عناصر سكانية مختلفة وهذا الاختلاف يؤدي الى التفكك وعدم التضامن الاجتماعي ، والذي بدوره يؤدي الى العزلة الاجتماعية التي تدفع القاصر للقيام بأعمال سلوكية منحرفة، من جانب اخر، فإن انتماء الفرد القاصر الى أكثر من جماعة اجتماعية تجعله يعيش تحت وطأة الضغوط المتضادة والمتنافرة لهذه الجماعات، كالأسرة والمدرسة وجماعة الاقران ووسائل الاعلام المختلفة مما يؤدي الى تصدع واضطراب شخصيته مما يدفعه الى الانحراف والجريمة.
- التفكك
اجرام القاصر كفعل يأتي نتيجة لحالة من الصراع والاضطراب في السلوك داخل المجتمع،و قديماً كان يعزى السلوك الاجرامي الى النفس الشريرة و الحمق وان الانتقام هو الأساس في رد فعل السلوك الاجرامي.لكن حديثاً ,و مع تطور التمدن اثبتت الدراسات ان تصدع العلاقات الإنسانية هي الأساس عند الإقدام على ارتكاب الجرائم والدوافع وراء الانحراف، إذ اثبت الدراسات الاجتماعية المختلفة ان سلوك الفرد يتأثر بدرجة كبيرة بسلوك من حوله وخاصة المقربين منه، و تعتبر الاسرة من اقوى الروابط الاجتماعية التي تؤثر في تكوين شخصية الفرد وتتحكم في توجيه سلوكه،فقد اشارت الاحصائيات الجرميه الى 70% من الاحداث الجانحين كانت العلاقة مع ابائهم سيئة وان 75 % من المجرمين الصغار ينتمون الى اسر مفككة بسب الطلاق و العنف الأسري و وسط الاطفال اللذين نشؤو خارج إطار الزواج.كما أن الدور الذي كان يلعبه الشارع في التاطير و الرقابة على السلوكيات المنحرفة عند القاصرين أعلن إعتزاله مع تزايد الضغوط و اهتمامات الرأي العام ،الذي أسقط من اهتماماته صيرورة التربية الملقاة على عاتقه ،مكتفيا بتوجيه اصابع الاتهام للقاصرين بمبرر أنهم اكتسبوا الأهلية و فقدوا البراءة التي كانت ميزة عند الاطفال .
- الوعاء اللغوي
أصبح الوعاء اللغوي أكثر شفافية ،تتلفظ منه العبارات و التعابير بكل حرية و لا موانع فكرية،و أن كانت اللغة المعبر الأساس ،فان الفكر البارز في الوقت الحاضر على الانترنيت يشجع أكثر على الجنوح للانحراف بأنواعه فمن موجة الجنوح إلى “التشرميل” و حب الظهور مع استعراض القوة الغير مبرر؛ الى شعارات المدرجات الكروية و اغاني الهجرة(الحركة ),لغة تستوحي ألفاظها من العربدة و العنف و الجنادرية ،وسط غياب لغة حاوية للانضباط و الإلتزام ،و استكمالا لبناء الفرد حركيا من خلال تعابير الجسد و لغويا باستعمال وعاء لغوي أنظف.
و تبقى أهم النظريات الاجتماعية المفسرة للسلوك الجرمي نظرية الضبط الاجتماعي ونظرية الاحتواءإذ تستند النظرية الاولى – الضبط الاجتماعي – في تفسيرها للسلوك الجرمي على الميادين الهامة التي تناولت الإشارة إلى مدى الانتظام في عملية الاتساق بين الفرد وبين النسق القيمي المعياري الذي يسود مجتمع من المجتمعات ، كون ان عدم الانتظام يؤدي الى حدوث الصراعات و التوترات بين الافراد او الجماعات ويدخل في مجال هذه النظرية ايضا التفسيرات الاجتماعية والنفسية المرتبطة بمدى تقدير الفرد لذاته ومدى اتساقه مع المجتمع على اعتبار ان الافراد الذين يتمتعون بالضبط الذاتي المرتفع هم اقل ميلا وبكافة الفئات العمرية لانحراف على عكس ممن يتمتعون بضبط ذاتي منخفض.
أما العالم ركلس، فذهب في نظريته_ الاحتواء_ الى ان الجماعات الصغيرة المكونة من الاسرة والمدرسة والجماعة تشكل بيئات اجتماعية رئيسية لغالبية المراهقين وتشكل تأثيرا كبيرا على سلوكهم من حيث قوة او ضعف متغيرات الاحتواء الداخلي التي تقود الى السلوك المنحرف او السلوك غير المنحرف نتيجة التنشئة الاجتماعية . رغم التناقضات في التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية التي طرأت على المجتمع المغربي وادت الى انتشار الجرائم بأنواعها التكنولوجيا و غيرها والتي كان سببها اثر جماعات الأصدقاء ورفاق السوء في الدافع الى الجريمة ومنها ما أتصل و يتصل باثر البطالة والحالة التعلمية ومنها ما يرتبط بالعوامل الاسرية والوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة..
إلا أن واقع الأمر يتطلب محاربتها والعمل على الحد من انتشارها عن طريق التعرف على دوافعها والقوى الكامنة وراءها.
تعليقات ( 0 )