تقرير | قرار مجلس الأمن حول الصحراء المغربية بين الترحيب والحذر !

كريم أخنخام –

أصدر مجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة الماضي، قراراً جديداً ينصُّ على تمديد ولاية بعثة “المينورسو” لمدة عام جديد، والدعوة إلى استئناف “المفاوضات السياسية” التي تقودها الأمم المتحدة “حصريا”، بدون شروط مسبقة، من أجل إيجاد حل للنزاع الذي طال أمده.

وفي الوقت الذي رحّب فيه المغرب بالقرار الجديد، أكدت جبهة البوليساريو أنها بصدد تقييمه على أن تصدر بيانا في وقت لاحق، وسط “إشارات” عدم رضى به، توضحت باستباق بيانها بانتقادات لاذعة لنص القرار الذي تم اعتماده بموافقة 13 بلدا مقابل امتناع تونس وروسيا عن التصويت.

ويدعو القرار الجديد الذي صاغته “الولايات المتحدة” إلى ضرورة التوصل إلى حل “سياسي واقعي ودائم ومقبول” للنزاع، ويعرب عن دعمه الكامل للأمين العام ومبعوثه الشخصي لتيسير عملية المفاوضات.

وجاء القرار بدعوة صريحة للمغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو لاستئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة وبحسن نية، على أن تكون المفاوضات في شكل موائد مستديرة.

– كواليس قبل إصدار القرار :

وكانت تقارير إعلامية قد كشفت أن قرار مجلس الأمن، شهد عدة تطورات في “كواليس” المجلس الأممي، قبل إصدار الصيغة النهائية. وفي هذا السياق، أدى اعتراض روسيا على بعض الصيغ الواردة في مسودة القرار إلى تأجيل جلسة التصويت، التي كان من المقرر أن تعقد يوم الأربعاء.

وبحسب مصادر دبلوماسية، فقد اعترضت روسيا، العضو الدائم بمجلس الأمن الدولي، على صلاحيات بعثة “المينورسو” وشكل المفاوضات، وبعض “العبارات” التي اعتبرتها “منحازة”. غير أن الولايات المتحدة رفضت، باعتبارها صاحبة قلم الصياغة، التعديلات التي طالبت بها موسكو، وحافظت على الصيغة الأصلية للنص.
موسكو التي فشلت في إدخال صيغ وتعديلات جديدة للقرار، ما تسبب في امتناعها عن التصويت.

وفي شرحه لأسباب امتناع بلاده عن التصويت على مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة، “حاملة القلم”، قال النائب الأول لممثل روسيا الدائم، دميتري بوليانسكي، إن المشاورات بشأن المسودة “لم تأخذ في الاعتبار تعليقاتنا المعقولة وحلولنا الوسطية”، مشيرا أيضا إلى أنه لم تتم العناية بعدد من المقترحات البناءة التي قدمها أعضاء آخرون في مجلس الأمن.
“لهذا السبب، لا يعكس قرار اليوم الواقع الموضوعي للتسوية في الصحراء، التي تطورت منذ التصعيد العسكري في نوفمبر من العام الماضي”، بحسب تعبير السيد بوليانسكي، قائلا إنه لن يضيف إلى الجهود التي يبذلها المبعوث الشخصي للأمين العام ستيفان دي ميستورا “لاستئناف عملية التفاوض وتحقيق حل مقبول للطرفين”.


وأكد في هذا الصدد، أن بلاده امتنعت عن التصويت لأنها تختلف مع الطريقة التي تمت بها صياغة بعض أحكام مشروع القرار، قائلا “إن موقفنا هو بالأحرى تقييمنا لعمل أصحاب القلم.”
ورغم امتناع روسيا عن التصويت، إلا أنها لم تستخدم “الفيتو” لرفض القرار، ليمر الأخير بأغلبية ساحقة.

– المغرب يرحب بالقرار :

مباشرة بعد جلسة التصويت واعتماد القرار، عقد وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، ندوة صحفية، أكد فيها أن “القرار مهم بالنسبة للمغرب حيث يكرس المكتسبات التي راكمها بخصوص قضية الصحراء”.

وأوضح بوريطة على أن هذه المكتسبات أشار إليها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتريس، في تقريره الأخير، ولخصها في ثلاث نقاط أساسية هي تأمين معبر “الكركرات” مع موريتانيا في عملية “سلمية”، وفتحه من جديد للحركة التجارية والمدنية، والإعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، وفتح مجموعة من القنصليات في الأقاليم الجنوبية للمملكة.

وشدّد الدبلوماسي المغربي، على أن مجلس الأمن حدد بصراحة، الأطراف المعنية بالقضية، معتبرا أن مسلسل “الموائد المستديرة” هو الحل الوحيد لحل قضية الصحراء.

وأكد بوريطة مجددا إلتزام المغرب بوقف إطلاق النار، في رده على الفقرة التي نصت على “قلق الأمم المتحدة من خرق وقف إطلاق النار”. حيث أشار النص الأممي في هذا الباب إلى “إعلان جبهة البوليساريو في نوفمبر 2020 انتهاء وقف إطلاق النار مع المغرب”، بسبب الأحداث التي شهدها معبر “الكركرات”.

في نفس السياق، وعلى منوال بوريطة، أكد سفير المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، في خرجة إعلامية مباشرة بعد جلسة التصويت، أن مجلس الأمن الدولي جدد في قراره الثامن عشر توالياً ؛ “جدية المبادرة المغربية للحكم الذاتي”، لافتا إلى أن اعتماد هذا القرار الجديد يأتي في سياق “مفعم بالتفاؤل” لاستئناف العملية السياسية، وذلك إثر تعيين ستيفان دي ميستورا مبعوثا شخصيا جديد للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء.
وأكد هلال أن القرار الجديد يؤكد استمرارية مسلسل “الموائد المستديرة” كإطار “وحيد وأوحد” لتسوية النزاع الإقليمي، مؤكدا على أن “الجزائر طرف أساسي في النزاع المفتعل”.

وفي كلمته، ندّد الدبلوماسي المغربي أمام الصحافة الدولية بالإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بمخيمات “الحمادة” بتندوف، مستعرضا صورا “صادمة” تبين تجنيد أطفال المخيمات على شاكلة تكتيكات الجماعات الإرهابية ك “القاعدة”.

– انتصار دبلوماسي “كاسح” للمغرب :

لقد شكّل تصويت أغلبية الدول على نص القرار الذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية، دون إدخال تعديلات عليه، انتصارا “كاسحا” للدبلوماسية المغربية، ولمحرر المسودة “و.م. الأمريكية” التي اعترفت بمغربية الصحراء.

المسؤول الأمني السابق في جبهة البوليساريو مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، وهو أحد العارفين بتفاصيل النزاع وطبيعة الوضع في مخيمات “الحمادة” بتندوف، أكد أن قرار مجلس الأمن رقم “2602”، يمثل دليلا على الحجم الحقيقي للجزائر.
ودوّن ولد سيدي مولود على صفحته في فايسبوك؛ “نتيجة (13/2) لصالح المغرب في مجلس الامن أظهر الحجم الحقيقي للجزائر، وأن المغرب تجاوزها بسنوات ضوئية”، وشدّد الناشط الحقوقي الصحراوي؛ “النتيجة أبانت الفرق بين الصراخ و العمل الهادئ” .
كما يعكس هذا التصويت، وفق نفس المصدر، القوة التي بات يتمتع بها الطرح المغربي ودبلوماسيته في الأوساط الدولية. فمن أصل 15 دولة كانت مدعوة للتصويت، وافقت 13 دولة على نص القرار، بينها أربع دول دائمة العضوية، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين، في مقابل امتناع روسيا وتونس عن التصويت، “وهو موقف يحسب للمغرب” يؤكد مصطفى ولد سيدي مولود.

الناشط الحقوقي الخبير في قضية الصحراء، أكد أن القرار نزل كقطعة ثلج باردة على الجبهة بمخيمات “تندوف”، مؤكدا أن عدم إصدار بيان بعد مرور أكثر من 24ساعة يؤكد هول “الصدمة”، لأن البوليساريو كانت تمني النفس بحسب ولد سيدي مولود، بقرار “يُدِين” المغرب، ويعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل “تهور” الجبهة في آواخر السنة الماضية، والذي أدت ثمنه غاليا.

إن العبارات التي جاءت في قرار مجلس الأمن الدولي من قبيل التوصل إلى حل “دائم وواقعي” تستحضر روح مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب عام 2007 كحل سلمي وحيد وأوحد للنزاع.

وأكد نص القرار أن مجلس الأمن أخذ علما بالطرح المغربي وأشاد بما وصفه “بجدية الجهود المغربية من أجل التوصل إلى حل للنزاع”.

– إقبار مقترح “الاستفتاء” :

لم يشر نص القرار الجديد لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء، إلى مقترح الاستفتاء الذي تقدمت به جبهة البوليساريو، والتي ترفض رفضا باتا مقترح الحكم الذاتي.

وفي هذا السياق، يؤكد مصطفى سلمى أن مجلس الأمن الدولي، ومنذ العام 18 سنة، لم يعد يشير إلى هذا الإجراء، ويحث على ضرورة البحث عن حل “سياسي”، متفاوض بشأنه ومقبول من جميع الأطراف.

ويشدد المصدر ذاته، إلى أن مقترح “الإستفتاء” قد تم إقباره، والمغرب بقوته على طاولة المفاوضات وبحزم دبلوماسيته، استطاع أن يسبق حاضنة البوليساريو وداعمتها الرئيسية الجزائر، بسنوات ضوئية.

وقد اعترف عدد من المسؤولين الأمميين بعدم قابلية “الاستفتاء” في الصحراء للتطبيق، لأن عملية الاستفتاء بناء على تحديد الهوية يعد مهمة مستحيلة بسبب الطابع القبلي والترحال لدى الساكنة الصحراوية.

كما أن نتيجة التصويت على نص القرار يشكل اعترافا ضمنيا بالطرح المغربي عبر مقترح “الحكم الذاتي”، الذي حظي خلال جلسة التصويت، بدعم قوي من قبل فرنسا والولايات المتحدة، وهما عضوين دائمين.

– التدخل المغربي في الكركرات حقيقة لا رجعة فيها :

لقد كرّس تقرير مجلس الأمن “الأمر الواقع” بخصوص عملية الكركرات، والتي نفذها المغرب في 11 نونبر من السنة الماضية، حيث تدخل الجيش المغربي في عملية سلمية لتأمين المعبر لحركة التجارة الدولية والمدنية، بعد إغلاقه لمدة شهر من طرف “قطاع طرق” وعصابات تابعة لميلشيات البوليساريو المسلحة.
لم يشِر التقرير إلى أي عبارة “إدانة” محتملة ضد المغرب بخصوص العملية النوعية، وهو ما كرس الأمر الواقع، وبيَّن أن المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس، قد أخذ بعين الإعتبار جميع الجوانب القانونية، وتحمل مسؤوليته كاملة.

– عودة مسلسل “الموائد المستديرة” :

يدعوا القرار الجديد لمجلس الأمن، المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى العودة إلى مسلسل الموائد المستديرة الذي توقف سنة 2019، وهو انتصار دبلوماسي نوعي آخر يحسب للمغرب. إذ سبق للجزائر الحاضنة والداعمة الرسمية للبوليساريو، أن عبرت عن رفضها العودة إلى هذا الشكل من المفاوضات، ووزعت مذكر رسمية على أعضاء مجلس الأمن تؤكد فيها بأن قرارها بعدم المشاركة “لا رجعة فيه”، في محاولة تأكد أنها يائسة لثني مجلس الأمن على اتخاد القرار السليم.

المغرب احتفظ بحقه في الردّ، عبر السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، حيث أكّد أنه بدون الجزائر، “الطرف المعني” في النزاع ” لا يمكن أن تكون هناك عملية سياسية، ولا عودة لمفاوضات لا تحضر فيها الجوائر كفاعل رئيسي في النزاع، وهي الحقيقة التي أتبثها التاريخ ويعيدها الحاضر.

– مرحلة جديدة ومهمة “صعبة” أمام المبعوث الجديد:

لقد القرار “2602” النقط على الحروف، بخصوص مهمة المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا، فبعد سنتين من الفراغ في المنصب، يتعين على الدبلوماسي المخضرم أن يبدأ من حيث انتهى سلفه، هورست كوهلر، الذي عقد آخر جولة من المفاوضات حول طاولة مستديرة في سويسرا عام 2019، قبل أن يقدم استقالته بعدما لم يتمكن من إيجاد أرضية مشتركة بين أطراف النزاع.

غير أن هذه المهمة تبدو معقدة منذ الوهلة الأولى، فالوقائع اليوم تؤكد أن المهمة الأولى أمام دي مستورا هي إقناع الأطراف للجلوس على طاولة المفاوضات، قبل اقتراح الحلول للأطرف،وهي مهمة تبدو غاية في الصعوبة بسبب التعنت الجزائري، التي يصبوا من خلاله إلى التهرب من مسؤوليته التابثة في هذا النزاع المفتعل.

مناورات جزائرية يدركها المغرب جيدا، لذلك تصِرُّ المملكة عبر كل جنودها الدبلوماسيين على أساسية حضور الجزائر للموائد المستديرة، :مهددا” بعدم حضور أي مفاوضات في حالة عدم تحقق هذا الشرط.

وفي الوقت الذي رحب فيه المغرب بقرار مجلس الأمن حول الصحراء المغربية، والذي بتوصيات للأطراف المعنية إلى التعاون من المبعوث الجديد، وتقديم التزامات بانخراطها في العملية السياسية، وتجديد الثقة في دي ميستورا، الذي يعقد عليه المجلس الأمل في عدم الفشل في المهمة مرة أخرى كما فشل في الأزمة السورية.

فإن المملكة أكدت أنها حريصة كل الحرص على عدم تجاوز الخطوط الحمراء، خاصة في مهام المبعوث الجديد التي تعرفها جيدا، وتؤكد في هذا الخصوص بأنها “حذرة” في هذا الشأن.

المغرب جدّد التأكيد أيضا أنه يتعامل مع الأمم المتحدة من منطلق أنه “دولة” تتحمل كامل مسؤولياتها عكس الأطراف الأخرى ، غير أنه يحرص كل الحرص على جديته في الملف، مشددا على أنه لا تساهل في هذه القضية التي “تتنفسها” المملكة قيادةً وحكومةً وشعباً، وتضعها في رتبة “معتقد” .

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .