تقرير : مستقبل التكنلوجيا المالية

التكنلوجيا-المالية

هشام الحو

أصبح التغير التكنولوجي سمة بارزة في اقتصاديات  الدول ، وأصبح تسارع ظهور التكنولوجيا على نحو ناسخ للتكنولوجيا القديمة واقعًا لا يمكن إنكاره ،ما دفع بمجموعة من الدول على غرار المغرب لاحداث وزارة مختصة لمواكبة التطور الحاصل. و لا يشمل هذا  التطور الأنظمة المادية كالسيارات والحواسيب والهواتف الذكية فحسب،

بل يشمل أيضًا أساليب العمل والنظم المجردة، مثل الأعمال المصرفية و تقديم الخدمات. وهو ما يُعتبر اليوم تطورًا هائلًا قد لا يكون السقف الذي يمكن أن نصل إليه في المستقبل القريب، وقد لا تَصدُق توقعات المخترع والكاتب راي كيرزويل بأن الآلات ستسيطر على العالم بحلول عام 2045 كما تُصور ذلك افلام هوليود، لكنها بالتأكيد ستؤدي دورًا متزايدًا في مجالات حياتنا اليومية.

ونظرًا إلى الأهمية التي تكتسيها النظم النقدية والمالية في اقتصاديات الدول والشركات، تَسرع تلك الأنظمة الان إلى استعمال التكنولوجيات الحديثة في مختلف أبعاد الخدمات التي تقدّمها، سواء تعلق الأمر بالتعامل مع زبائنها أم بتقديم الخدمات والإقراض التي تعدّ ركائز أساسية لنشاطها.

– ماهية التكنلوجيا المالية

تعني التكنولوجيا المالية مجموعة الحلول التكنولوجية المبتكرة التي تقدّمها شركات التكنولوجيا، ولا سيما الشركات الناشئة، للشركات التي تُكوّن النظام المالي، من مصارف وشركات تأمين وأسواق مالية. 

وتشمل تلك الحلول المدفوعات وكيفية تقديم الخدمات وأدوات مالية في إمكانها تدمير نموذج العمل التقليدي مستقبلا، والقضاء على عدد كبير من المؤسسات التي لا تتكيف مع هذه التحولات بسرعة.

كما تتصل حاليا الاصول و الارصدة المالية، على نحو مباشر، بتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال من جهة، وأساليب التحليل و برتكولات التشفير والمعالجة من جهة أخرى، ما يسمح بتغيير تركيبة الخدمات المقدّمة من مالية بحتة إلى خدمات مالية تنطوي على قدر عالي من التكنولوجيا.

و كما أن للثورة التكنولوجية محرك و عوامل تدفعها. ومثلما كان للموت الأسود”الطاعون” عاملًا أساسيًا في قيام الثورة الصناعية فيها فيما بعد، ساهمت التغيرات التشريعية والتكنولوجية بعد فيروس كورونا كذلك في تنامي التكنولوجيا المالية على نحو متسارع خلف اعداد هائلة على قائمة مليارديرات العالم ،منهم من لم يتجاوز سن العشرين في الولايات المتحدة و الصين الشعبية..

العملات البديلة

نظرًا إلى أن التكنولوجيا التي تستند إليها العملات الرقمية عمومًا أصبحت مفهومة،حتى لدى بعض المغاربة اللذين لا يحضون بمستوى تعليمي عالي حتى ،و أصبحت حديث الشباب الطموح لتجاوز سقف المعاملات التقليدية التي لم تفتح واجباتها لأغلبية الشباب الطامح لدخول النسيج الاقتصادي و انشاء مقاولاتهم وسط ريع الامتيازات.

– بين الاقتصاد التقليدي و التكنلوجيا

بعد أن أُطلقت خلال العقد الماضي آلاف العملات، لكنّها لم تكن دائمًا محل اهتمام المستثمرين والمتعاملين.

 لكنّ تقدّم خدمات إضافية كالإيثيريوم التي تعمل أيضًا بوصفها منصة لإنشاء عقود ذكية، والريبل التي تسهّل عمليات تحويل الأموال، حظيت بقبول الكثير من المتعاملين، أشخاصًا ومؤسسات.

العملات البديلة هي عملات مشفرة بديلة غير متوافقة مع البيتكوين، لكنّها تحاكيها عمومًا باستخدام خوارزمية التجزئة نفسها مثل البيتكوين، أي SHA-256، وهي ند – لند Peer-to-peer، وتستخدم عملية تعدين لتوليد كتل جديدة مرتكزة على تكنولوجيا البلوكتشين ،و هو الأمر الذي يحول دون استفادة المستثمرين داخل الدول التي لم توافق بنوكها المركزية على صيغة المعاملات الرقمية بعد ،كما أن تعدين الاصول يتطلب طاقة كهربائية عالية الجهد و تكنولوجيات متطورة.

ومن الممكن اعتبارها شوكة صعبة للبيتكوين، وغالبًا ما يُزعم أنها تمثل تحسينًا لها من خلال أداء وظائف مختلفة، أو تحسينًا لبعض مكونات البيتكوين.

ويتضح من الإيثيريوم والدوجكوين والفيذركوين Feathercoin والبيركوين Peercoin أنّها تحاول تقديم بدائل أرخص من البيتكوين في استخدام طاقة كمبيوتر أقل لتوليد الكتل.

و من المنتظر أن تساهم التطبيقات اللامركزية في تعزيز الكثير من الممارسات الاقتصادية بإنشاء أنظمة معزَّزة تكنولوجيًا بالبلوكتشين، لتُسهّل المعاملات وتنظّمها وتضمن سلامتها وأمنها بين مجموعة من المتعاملين في مجالات وقطاعات أعمال متنوعة، وهذا ما تَعد به هذه التكنولوجيا حاليًا ،بعد موافقة البنوك المركزية بالطبع ،لان العمل بهذه التكنلوجيا يعد خرق لقوانين الدول التي لم توافق بعد على تأشيرة العملات الرقمية ،حماية لاقتصادها من تبييض الأموال و من عدم استقرار و موثوقية العملات الرقمية في المعاملات و هذا ما حصل مؤخرا بعد فقدان البتكوين لقيمتها السوقية  ،بالمقابل لم يفقد الذهب بريقه و موثوقيته بعد.

– نحو التنظيم و المؤسسة 

إن المنظمات والمؤسسات المستقلة اللامركزية شكل أكثر تعقيدًا من التطبيقات اللامركزية. ولتصبح منظمةً رسميًا، يجب أن تتبنّى وظائف أكثر تعقيدًا مثل الدستور الذي يحدد حوكمتها علنيًا بالنسبة إلى البلوكتشين، وآلية لتمويل عملياتها مثل إصدار أوراق مالية في عملية تمويل جماعي. 

إذًا، إنها شبكة لامركزية من الأعوان المستغلين الذين يؤدون المهمات، ومن الممكن تصورها في أنموذج شركة تعمل من دون أي تدخّل بشري تحت سيطرة مجموعة من قواعد العمل.

العملات الرقمية في الميزان.

أولت التشريعات سواء القوانين الوضعية و الشريعة على السواء جانب المعاملات التجارية والمالية عناية خاصة، وبيّنت الشروط القانونية والشرعية الواجب توافرها حتى تتوافق تلك المعاملات مع ما جاء في أعراف التعاملات لأن المال في أصله وسيلة للمعاملة خلفت المقايضة . وذلك يخص النقود كما عُرفت سابقًا، أي النقود الذهبية، أو لاحقًا النقود الورقية، أو النقود الناتجة من التطورات التكنولوجية، كالعملات الإلكترونية والمشفرة حديثًا.

العملات المشفرة بوصفها عملات تؤدي وظيفة التبادل فحسب، ولم يتطرق فقهاء الاقتصاد و الدين إلى ما يطرحه آخرون من كونها أصولًا وسلعًا، وهي إن كانت تصحّ على مسألة مصدر العملات المشفرة، فإنها لا تنطبق على المتعاملين بها، إذ يمكن تتبعهم ومعرفة من يكونون، وهذا بعكس النقود الورقية ، وهي مسألة مثيرة للجدل كدخان مجهول المصدر.

ومع ذلك، لا يصدر هذا النوع من العملات عن جهات رسمية ولا يخضع لرقابة مركزية، وإصدارها غير مؤمّن، لا بالمعادن كالذهب والفضة، ولا بالعملات الصعبة وغيرها، وهذا من شأنه أن يجعل قيمتها غير مستقرة. لذا، فإن هذا النوع من العملات ليس محرّمًا لذاته، بل لما يحوم حوله من مخاطر ومن مخالفات شرعية.

“هذه الوحدات الافتراضية غير مغطّاة بأصول ملموسة ولا تحتاج في إصدارها إلى أي شروط أو ضوابط، وليس لها اعتماد مالي لدى أي نظام اقتصادي مركزي، ولا تخضع لسلطات الجهات الرقابية والهيئات المالية، لأنّها تعتمد على التداول عبر شبكة الإنترنت. و بالتالي تشتمل الضرر الناشئ عن الغرر والجهالة والغش في مصرفها ومعيارها وقيمتها “يقول مفتي الجمهورية بمصر.

و هو رأي يقتصر يقتصر على تحريم العملات المشفرة من دون تقديم حلول شرعية أو بدائل، تمكّن المتحفظين في العالم من استخدامها أو استخدام عملات خاصة بهم، مثلما هو عليه الأمر بالنسبة إلى البنوك الإسلامية التي تعد بديلًا من البنوك الربوية التقليدية.

– المستقبل

يعتمد السيناريو الأقرب إلى التحقق بدرجة كبيرة على المدى المتوسط و الطويل على مدى قبول هذه العملات وتزايد مجالات استخدامها في المستقبل؛ فمن جهة ، كلما زاد عدد المتاجر ومؤسسات الأعمال والخدمات التي تقبل الدفع بهذه العملات، زاد تداولها واتسعت رقعة استخدامها. 

ومن جهة اخرى، كلما امتد استخدام هذا النوع من العملات إلى منتجات وقطاعات أخرى، كالتأمين أو الأسواق المالية، توطّد قبولها أكثر.

والأهم من ذلك كله هو الثقة التي ستحظى بها هذه العملات في المستقبل. 

نعلم أن الثقة جوهر الاقتصاد و المستثمر جبان، وإذا اكتسبت العملات المشفرة ثقة الجماهير، فسيصبح حلولها محل العملات التقليدية أو الوجود إلى جانبها مسألة وقت فحسب.

ومع ذلك، لا يرى أشد المتفائلين اليوم أي فرصة لسيناريو استبدال العملات التقليدية بالعملات المشفرة، وربما يكون في هذا السياق إنشاء عملات رقمية خاصة بالبنوك المركزية -كما فعلت الامارات العربية التي تملك فاىضا ماليا من مشتقات البترول- مع السماح بحد معيّن من منافسة عملات مشفرة أخرى خاصة، هو السيناريو الأقرب إلى الواقع .

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)