زواج القاصرات بالفاتحة أو بعقد موثق يطرح إشكالات يجب حلها في التعديلات المقبلة لمدونة الأسرة

زواج القاصرات بالفاتحة أو بعقد موثق يطرح إشكالات يجب حلها في التعديلات المقبلة لمدونة الأسرة

 

 

 

تطرقنا في المقال الإفتتاحي لزواج النساء بالفاتحة بشكل عام، والنتائج المترتبة عن ذلك بما فيها ضياع حقوق المرأة والطفل عند الطلاق، والمشاكل التي تواجهها من أجل الحصول على الوثائق الإدارية الخاصة بأبنائها، ناهيك عن حرمان المرأة من حقها في الميراث عند وفاة الزوج هذا من جهة، ومن جهة أخرى أصبحت ظاهرة تزويج القاصرات عن طريق الفاتحة بمثابة تحايل على القانون، إما بسبب الظروف العملية التي تمنع زواج الشخص إلا بعد مرور مدة معينة، كما هو الحال بالنسبة للجنود الذين يلجئون لزواج الفاتحة تفاديا لإنتظار موافقة رؤسائهم العسكريين على زواجهم، إذ يجبر الجنود المغاربة قانونيا على تقديم موافقة موقعة من طرف رؤسائهم قبل عقد قرانهم، وقد تطول مدة الإنتظار أحيانا، وهناك حالة التعدد التي يلجأ فيها الرجل إلى زواج الفاتحة باعتباره الحل الأنسب لأنه ببساطة غير مقيد بإجراءات قانونية، ولا يحتاج لأي مسطرة قانونية عند الطلاق، كونه يتم بشكل شفوي وفوري، أما بالنسبة لزواج القاصرات سواء بالفاتحة أو بعقد موثق عن طريق الولاية الشرعية أو القانونية، غير مجدي لأنه ليس في مصلحة الفتاة بل هو انتهاك لحقها في التعليم، لاسيما أن المدرسة هي مكانها الحقيقي قبل بلوغ سن الرشد القانوني.اذا هنا تطرح تساؤلات محورية يستحب الإجابة عليها وهي كالآتي:

_ كيف يمكن الحد من زواج القاصرات سواء بالفاتحة أو عن طريق عقد قانوني؟

_ هل سيتم الأخذ بعين الاعتبار الفراغ القانوني في هذا الجانب؟

_ ثم هل سيتم ضمان حقوق المرأة والطفل بصفة عامة وحماية القاصرات بصفة خاصة ضمن التعديلات التي ستطال مدونة الأسرة؟

في إطار النقاشات التي أثيرت بخصوص إصلاح مدونة الأسرة من قبل بعض المسؤولين والمختصين وكذا الأطر الأكاديمية والحقوقية من مختلف المؤسسات، اشتركت جل أفكارهم في نقطتين أساسيين فيما يخص إطار الزواج، تتمثل الأولى في تزويج القاصرات، أما الثانية تتجلى في الولاية القانونية، وذلك لما لهما من نتائج سلبية تعرقل تنمية المجتمع ككل، تقتضي إيجاد حلول واقعية وجدية في التعديلات المقبلة للمدونة، وأيضا ضرورة متابعة الزوج المنخرط ضمن زواج القاصرات أو الأطفال خارج نطاق التوثيق الشرعي، من خلال تنظيم نص قانوني يحدد فيه الجزاءات القانونية المترتبة عن ذلك في مدونة الأسرة، كما هو الحال في القانون الجنائي الذي يجرم زواج القاصرات والأطفال قبل سن الرشد القانوني طبقا للفصل 475 (ق.ج).

 

من جانب آخر، رغم وجود نص قانوني في مدونة الأسرة يحدد سن الزواج بالنسبة للذكور والإناث في 18 سنة كاملة طبقا للمادة 19 (م.أ) ، إلا أن هناك استثناء أقرته المدونة، والمتمثل في الولاية الشرعية أو القانونية الممنوحة للقاضي، بموجبه يأذن بتزويج القاصرات وفقا للمواد 20، 21، 22 من مدونة الأسرة، على إثر ذلك يتم قبول الطلبات المعروضة بنسبة كبيرة تتراوح مابين 80 إلى 90 في المائة وهو أمر خطير، حيث أنه لم يعد اسثناءً بل أصبح قاعدةً، ترتكز على الأعراف والتقاليد التي تؤيد فكرة تزويج الفتيات في سن مبكر، بحجة التحصين أو الخوف من ضياع فرصة الزواج، أو لتجنب الوقوع في الفساد، ويقدم هذا الطلب من طرف ولي أمر الفتاة وبحضوره أمام القاضي المختص الذي يبث في الطلب المعروض والذي غالبا يتم الموافقة عليه.

بالمناسبة، تعتبر ظاهرة زواج القاصرات من أبرز الظواهر الإجتماعية التي أثارت القلق بين صفوف الفاعلين الجمعويين والمسؤوين وكذا الاطر الأكاديمية والقانونية، منهم من ندد بتجريم هذا النوع من الزواج، والبعض الآخر يأمل إلى الحد منه وحماية هذه الفئة من الفتيات قانونيا، كما طالبوا بإلغاء المادة 20 من مدونة الأسرة التي تجيز للقاضي تزويج الفتيات أقل من 18 سنة، وبالتالي فإن هذه الواقعة خلقت أزمات اجتماعية معقدة، إذ انتشرت بشكل ملفت وأضحت تشكل عائقا يحول دون تحقيق التنمية، لأن الأسرة هي ركيزة المجتمع، و  يستوجب حل الإشكال المطروح من خلال تعديل بعض النصوص القانونية في مدونة الأسرة الحالية، وضمان حقوق المرأة والطفل بالدرجة الأولى.

و بالرجوع إلى الأبحاث الميدانية والتحقيقات التي أجريت في هذا الموضوع، يتضح أن مشكل تزويج القاصرات بالفاتحة أو بعقد موثق خلق التباسات عميقة في جوهر هذا الزواج، وخصوصا الشق المتعلق بالولاية القانونية أو الشرعية التي تعد السبب المباشر في تحقيق هذا الزواج، الذي بدوره يعيق سيرورة الأسرة وتنميتها، بالموازاة مع المشاريع التنموية التي يشهدها المغرب، تفرض مراجعة المواد القانونية المتعلقة بها، وإحداث تعديل يحمي ويكفل حقوق المرأة والطفل والقاصرات على حد سواء، مراعاة لمبادئ المساواة والعدل والإنصاف، خاصة أن الزواج في سن مبكر في وقتنا الحالي يترتب عليه مجموعة من النتائج السلبية التي تنعكس على القاصر جسديا ونفسيا.

 

ذكرت نائبة رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، السيدة عاطفة تمجردين في حديثها لأحد المنابر الإعلامية، أن مدينة الدار البيضاء تسجل أعلى نسبة من طلبات تزويج القاصرات، وقالت بأن هذا يشكل مصدر قلق كبير، حيث أن نسبة زواج القاصرات سجلت ب %10 من عقود الزواج الصادرة سنة 2015، فيما تمت الموافقة على %85 من الطلبات المقدمة بين عامي 2011 و 2018، مع العلم أن هذه الإحصائيات لا تشمل الزواج غير الموثق الذي يسمى محليا بزواج الفاتحة.

أشارت السيدة عاطفة تمجردين، إلى أن الزواجات التي عقدت بموجب مادة ثبوت الزوجية ( المادة 16 من المدونة) تمثل %15 من حالات زواج القاصرات المبرمة بين عامي 2015 و 2019، بينما تم تسجيل 19 ألف حالة برسم سنة 2021، وهذا يوضح تواطؤ الأسرة والقضاء، في الأخير تكون الفتاة ضحية،  لتورطها في زواج يجعل القاصرة في حكم الراشدة، مما ينجم عنه تبعات نفسية واجتماعية خطيرة.

دعى وزير العدل السيد عبد اللطيف وهبي في مجلس المستشارين ( الغرفة الثانية للبرلمان) إلى تجريم زواج القاصرات، وهو ما أثار جدلا بشأن هذه الظاهرة.

كما أعلن من جهته أنه مع قرار تجريم زواج القاصرات، وإلغاء الإذن الذي يعطى من قبل القاضي للقاصر بالسماح لحالات معينة بإبرام عقد الزواج مستندا على أن سن الزواج هو 18 سنة فما فوق.

ختاما، يتضح جليا أن زواج القاصرات بالفاتحة أو بعقد موثق يثير إشكالات جذرية، تحتاج إلى إعادة النظر في النصوص القانونية التي تسمح بتزويج القاصرات عن طريق الولاية القانونية أو الشرعية، طبقا للمواد 20، 21، 22 من مدونة الأسرة، لاسيما أن هذا الزواج ينتشر بشكل كبير في البوادي والأرياف، وأصبح متداول حتى بالمدن، في صورة تسلب الفتاة حقها في التعليم، بالإضافة إلى الضرر الجسدي والنفسي المترتب على صحتها، بل بعضهن يخضعن للعنف الأسري، عموما فإن %99 من هذه الزيجات لا تنجح وبالتالي:

_ ما مصير القاصرات بعد الطلاق؟

_ من المسؤول عن ضياع الفتاة ؟ هل الدولة التي أجيزت زواج القاصرات؟ أم الولي الشرعي الذي ساهم في هذا الزواج؟ أم هما معا ؟

ثم ماهي الجهود المبذولة من طرف الدولة لتوخي السقوط في مثل هذه الإشكالات؟

هل فعلا سيتم الاستجابة إلى المطالب المشروعة وتعديل المقتضيات القانونية بما يضمن حقوق المرأة والطفل؟ أم سيضل الحال كما هو عليه؟

بصفتنا صحافة للحلول، نطالب تكثيف جهود الدولة لمواجهة هذه الظاهرة التي باتت تهدد تنمية الأسرة والنهوض بها، ونأمل أن تحضى النصوص القانونية المتعلقة بمدونة الأسرة بتعديلات تكفل للمرأة حقوقها وتحمي الطفل ضمن التعديلات المرتقبة. كما سنشير في المقال الموالي إلى موضوع آخر يتعلق “بزواج الطفلات بالفاتحة” الذي لازال متجدر في بلادنا إلى حد الآن ، و يتجلى في أبشع صوره خاصة في الأرياف والمناطق النائية، مما يشكل خطرا على الطفولة في بلادنا. ترقبوا مقالنا المقبل في أقرب فرصة سنفصل في المسألة بشكل دقيق وموضوعي وننقل لكم الحدث بعين الحقيقة.

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)