زواج النساء بالفاتحة بين الشرع والقانون

زواج النساء بالفاتحة بين الشرع والقانون

 

 

 

يُعرف هذا النوع من الزواج في المغرب بالزواج الشرعي (الفاتحة) منذ عقود من الزمن، عايشه الأجداد والسلف، وهو فعلا زواج صحيح من الناحية الشرعية لكن من الناحية القانونية يعتبر زواج بدون عقد موثق وهو المتداول قبل عهد الحماية، أما بعد عهد الحماية ظهر ما يسمى بالعقد المدني الذي يقصد به توثيق الزواج قانونيا تفاديا لجميع المشاكل المترتبة عنه، كالتعدد، التهرب من النفقة وعدم الإعتراف بالأطفال إلى غيرها….كما أن هذا النوع من الزواج يطال جميع النساء سواء البالغات سن الزواج أو القاصرات بل الأخطر من ذلك أنه اقتحم حتى صفوف الطفلات، وهو الدافع الأساسي لتطرقنا لهذا الموضوع عن طريق تحرير مقالات تسلسلية تحقيقية من أجل التفصيل في كل حالة على حدى مع تحديد الإطار القانوني المنظم لها وكذا آراء الجمعيات التي تعنى بحقوق المرأة والطفل وإيجاد حلول بديلة لحل هذا الإشكال القائم إلى حد الساعة في بعض المناطق النائية وقد يكون حتى في المدن .

 

بالمقابل، فإن القانون المغربي كان حاسما في هذا النوع الزواج، حيث اعتبره غير موثق قانونيا، لكن أعطى بعض الحلول الوقتية لحماية الأطفال وضمان هويتهم وحفظ نسبهم عن طريق تعبئة قوافل تابعة للسلطة القضائية موجهة الى المناطق الجبلية والبوادي، لإثبات الزوجية والنسب وتكون بعد خمس أو ست سنوات أو أكثر من ذلك، وهذا لا يعني أن القانون يتساهل مع الأزواج في اختيارهم لزواج الفاتحة، مع العلم أنه يعتبر صحيحا من الناحية الشرعية، أما من الناحية القانونية فهو لا يحمي حقوق الزوجة والأطفال بالدرجة الأولى، ولهذا وجب توثيق الزواج عن طريق العقد باعتباره شريعة المتعاقدين طبقا للمادة 147 من القانون المدني.

 

لا يقتصر زواج الفاتحة على النساء البالغات سن الزواج فقط ، وإنما بات يغطي نسبة كبيرة من القاصرات الخاضعات له سواء بإرادتهن أو بالغصب. وحسب رأي بعض الحالات التي صرحت لجريدة المنظور تيفي بريس بشرط عدم ظهورهن أو ذكر أسمائهن مثل حالة السيدة (ف. ع) التي كانت تبلغ من العمر 15 سنة أرغمها والدها على الزواج من رجل يكبرها ب 30 سنة متزوج وأب لطفلين، تزوجته زواجا تقليديا عن طريق الفاتحة، وبعد أن أنجبت مولودها الأول انتظرت مدة خمس سنوات إلى أن جاءت حملة أطر السلطة القضائية لإثبات النسب وتحرير العقود، وطول تلك الفترة كانت مجردة من أدنى الحقوق الأساسية كما جاء على لسانها ” أحسست كأنني خادمة و لست زوجة، تجرعت مرارة الخوف من الطلاق الذي لازمني كشبح طول الوقت إلى أن سويت وضعيتي”. وأضافت مخاطبة باقي النساء ” أنصح جميع النساء عامة أن يوثقن عقود الزواج، لأن زمننا هذا لا يتشابه مع زمن أجدادنا الذي كان يباشر هذا النوع من الزواج دون أي تخوف من الآثار الناجمة عن ذلك على اعتبار أنه زواج مكتمل الشروط الشرعية، بالإضافة إلى عدم وجود آنذاك المشاكل الزوجية الحالية التي ترجع معظمها إلى مجموعة من العوامل: اجتماعية، اقتصادية.. جعلت من الضروري توثيق عقد الزواج المنصوص عليه في المادة 19 من مدونة الأسرة لضمان حقوق الزوجة والأطفال”. كون أن المتضرر الوحيد من زواج الفاتحة هو الزوجة نفسها.

 

بالمناسبة، اعتبرت العديد من الجمعيات أن زواج الفاتحة(بدون عقد موثق) تحايلا على القانون بغرض تزويج القاصرات أو تعدد الزوجات أو المتعة محددة المدة، و حذرت من خطورة هذا الزواج وآثاره على الزوجة التي قد تجد نفسها في آخر المطاف إما أم عازبة بدون وثائق ثبوتية، أو عدم القدرة على إثبات الزوجية، وفي كلتا الحالتين يكون ضياع حقوق الزوجة إذا وقع الطلاق أو الوفاة، مستغلين الفراغ القانوني بخصوص هذا الجانب.

 

من جهة، فإن زواج الفاتحة يعد انتهاكا لحقوق النساء، لاسيما أن هذا الزواج يعد احتيالا على القانون كما سبق ذكره بهدف تحقيق المصلحة الخاصة للزوج كالتعدد أو المتعة، وهذا في حد ذاته يعتبر هضما لحقوق الزوجة لأن الزوج في غالب الأحيان يستخدم الثغرات القانونية للتملص من المسؤولية، حيث يعترف بالأطفال فقط عن طريق إقرار الأبوة وإقصاء الزوجة، نظرا لعدم توفرها على عقد شرعي يثبت صفتها ويضمن حقوقها القانونية، على اعتبار أن هذا الزواج بمثابة تهميش للمرأة وحرمانها من مستحقاتها القانونية إذا حدث الطلاق أو الوفاة. بالموازاة مع ذلك يجب محاربة زواج الطفلات الذي انتشر سابقا بشكل كبير في بعض المناطق الجبلية والبوادي بصفة عامة حماية للطفولة وزجرا للمغتصبين إن صح التعبير، لأن هذا لا يعتبر زواجا بل اغتصابا تحت مسمى الزواج.

 

 

ومن جهة أخرى،يعتبر زواج الفاتحة من أبرز المواضيع التي خلقت جدلا واسعا في ظل الفراغ القانوني بخصوص هذا الأخير، إذ ينبتق عنه عدة نتائج عكسية نذكر على سبيل المثال لا الحصر كثرة الأمهات العازبات،  عدم توفر الزوجة على الوثائق التي تثبت زواجها، الأطفال المتخلى عنهم أو مجهولي الهوية،  الذين يعانون أغلبهم من التشرد والضياع في الشارع ، ناهيك عن الآفات المترتبة عن ذلك الشيء الذي يساهم في إحباط المجهودات التي تبذلها الدولة لإيجاد حلول لهذه المشاكل.

 

خلاصة القول أن زواج الفاتحة (بدون عقد موثق) يتخلف عنه العديد من التحديات التي تستوجب منا كمنابر إعلامية تتصف بكونها صحافة الحلول، إظهار هذه القضية للعلن باعتبارها تطرح إشكالات جوهريةتستدعي تسليط الضوء عليها من خلال مناشدة المسؤولين والقانونيين قصد الإلتفات إلى هذه الفئة المستضعفة من النساء المضطهدات والنهوض بهن. وإذا كان الأزواج يميلون إلى الزواج الشرعي بالفاتحة تطبيقا للشرع،  حبذا لو تم توثيقه عن طريق عقد زواج قانوني أيضا من أجل ضمان الحقوق القانونية للزوجة والأطفال، تفاديا لأي تهديدات حالية أو مستقبلية لهم وبالتالي تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة.

 

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)