كريم أخنخام

تمثال” اللاعنف من أمام مقر الأمم المتحدة بنيويورك “
لاشك أنك اطلعت اليوم كما باقي الأيام على خبر أو حدث يحيل على العنف والكراهية، سواء في جريدة ورقية أو إلكترونية، نشرة الأخبار في التلفاز، مواقع التواصل الاجتماعي …
لا تهم الوسيلة أو الأداة، بقدر ما يهم أنك اطلعت على خبر أو “أخبار عنف” إذا أردنا أن نكون دقيقين. لكن لاشيء يدعو للاستغراب هنا، فقد صار الأمر يدخل ضمن نطاق العادة في حياتنا اليومية.
ما هو العنف؟
العنف هو سلوك عمدي موجه نحو الآخر، سواء كان لفظيا أو جسديا أو معنويا، ويتضمن مواجهة الآخرين ماديا أو معنويا، ويكون مصحوبا بتعبيرات تهديدية وله أساس غريزي.
كيف تولد العنف في التاريخ؟
حسب كارل ماركس، وهو فيلسوف ألماني، واقتصادي، وعالم اجتماع، ومؤرخ؛ فإن تاريخ المجتمعات البشرية هو تاريخ صراع بين الطبقات، بين من يملك وسائل الإنتاج والخبرات، وبين من لا يملك، وهنا برز مفهوم العنف في سياقه السياسي والاقتصادي.
أما الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز؛ فيعتبر أن مصادر العنف توجد في الطبيعة الإنسانية، وهي ثلاث ”التنافس والحذر والكبرياء”.
بينما يرى الزعيم الروحي للهند، أن السمة الأساسية للعنف سواء في الفكر أو الكلام أو الفعل، هي وجود نية عنيفة تضمر حقدا أو رغبة في إلحاق الأذى بالآخر.
مهاتما غاندي.. الأب الروحي لفلسفة اللاعنف :

لقد أسس غاندي لفلسفة اللاعنف أو ما عرف في عالم السياسة ب “المقاومة السلمية”، وهي مجموعة من المبادئ والقيم التي تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد، ملخصها ” الشجاعة والحقيقة واللاعنف ”، وهدفها إلحاق الهزيمة بالمحتل (العدو) عن طريق الوعي العميق بالخطر المحدق، وتكوين قوة قادرة على التصدي له باللاعنف كخيار أول.
02 أكتوبر.. تكريم لروح غاندي وإحياء لثقافة اللاعنف :
يحتفل العالم باليوم الدولي للاعنف في 02 أكتوبر من كل عام، ويصادف هذا التاريخ ميلاد المهاتما غاندي، زعيم حركة استقلال الهند ورائد المقاومة السلمية.
إن هذا اليوم هو مناسبة عالمية حقيقية، لنشر رسالة اللاعنف، عن طريق التعليم وتوعية عامة الناس، عبر كل ما هو متاح، كل من موقعه، وذلك تجسيدا للأهمية العالمية للسلام واللاعنف، والرغبة في تعميم ثقافة التسامح والسلام والتفاهم.
إن إسم غاندي يتجاوز حدود العرق والقومية والدين، إلى أبعاد أخرى تتعلق بالإنسانية العليا والمصير المشترك، فالعالم يتذكر غاندي ليس فقط لالتزامه بممارسة اللاعنف، ولكن كإنسان صار معيارا نختبر على أساسه الرجال والنساء بل الدول في الحياة العامة وفي آمال كوكبنا المشترك.
اللاعنف في ظل أزمة كورونا :
لقد كانت ولازالت جائحة كورونا خير برهان على أن؛ المعارك التي خاضتها البشرية ضد بعضها البعض، هي حروب الكل فيها خاسر، لأن العالم اكتشف في هذه الأزمة العالمية، العدو الحقيقي ألا وهو “الفيروس”.
لذلك كان نداء أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بمناسبة احتفال اليوم الدولي للاعنف قبل سنة، واضحا، حين صرح قائلا؛ ” أنه يقع علينا، في احتفال هذا العام، واجب خاص، وهو وقف القتال من أجل أن نركز على عدونا المشترك، ألا وهو كـوفيد 19، مؤكدا أنه في أي “نزاع تدور رحاه أثناء أي جائحة، لا يكون هناك سوى منتصر واحد، هو الفيروس نفسه”.
وأضاف: ” لقد ناديت والجائحةُ تكتسح بقاع العالم بوقف إطلاق النار على الصعيد العالمي، ونحن اليوم بحاجة إلى دفعة جديدة من جانب المجتمع الدولي لجعل ذلك النداء حقيقة بحلول نهاية هذا العام”.
وأشار الأمين العام إلى أن هناك عددا كبيرا جدا من الدول الأعضاء والزعماء الدينيين وشبكات المجتمع المدني وغيرها من الجهات قد أيدت نداءه إلى وقف إطلاق نار عالمي. وأكد أن “الوقت قد حان لنكثف جهودنا. ولنستلهم فيها روح غاندي والمبادئ الراسخة لميثاق الأمم المتحدة”.
لقد أيقظت بذلك جائحة كورونا الوعي الجمعي لذا البشرية، وهو ما تجسد من خلال ما شاهده الجميع طيلة سنة ونصف من مكافحة الفيروس، لتتجسد فعلا مقولة ”رب ضرة نافعة ” .
غير أن هذا الوعي العالمي سرعان ما سيتبدد عند أول فسحة للعالم، وهو ما تجسد عبر العودة للصراع من أجل التسلح العسكري، والعودة لجبهات القتال في مختلف الأقطار المتوترة عبر العالم.
معطيات تؤكد أن القوى الحية عبر العالم، لازالت في حاجة إلى الكثير من العمل والتوعية، من أجل محاربة العنف وخطاب الكراهية، وبالتالي إرساء ثقافة السلام واللاعنف.
لأننا لازلنا ” نحلم بعالم دون عنف ” !
Comments ( 0 )