وهمُ التضخم ..! يزيد الشحمَ في ظهر المَعلوف

وهمُ التضخم ..! يزيد الشحمَ في ظهر المَعلوف

 

 

 

منذ نهاية فترة الحجر الصحي وعودة النشاط الاقتصادي بشكل تدريجي بعد جائحة كورونا و ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة و الموارد الأساسية، أصبحت مفردة التضخم، كلمة تتداول شبه يوميًا عند الحديث عن الاقتصاد، ويعني التضخم ببساطة: تدني القوة الشرائية للعملة، الجواب البديهي عند معظم الناس هو زيادة الرواتب.

 

لكن المشكلة أعقد من ذلك !

 

تظهر البيانات أن المغرب في طريقه للتعافي مع التضخم،

بعض التحاليل الاقتصادية الأخرى تقول إن التضخم الحالي يبقى عرضيا ،في حين أن آخرين يرون أن التضخم أصبح له ارتباط بمشاكل هيكلية أبرزها الجفاف و ما ترتب عنه من تراجع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بما يناهز الثلثين، ليكتسب التضخم بذلك عناصر مستوردة و محلية الصنع ،تتكاتف العديد من العوامل حتى يومنا هذا في تشكلها و استمراريتها.

 

وحدها العوامل المذكورة أعلاه تساهم في استمرار التضخم؟

 

الاحداث ليست دائما كما تبدوا، يحدث هذا في وقت لا تزال فيه الحكومة عاجزة عن كبح جماح ارتفاع هذه الظاهرة الاقتصادية التي لم يعتدها المغاربة، علماً أن عددًا من صناع القرار و المراقبين من البنك المركزي و مندوبية التخطيط حذروا من أن الزيادة الكبيرة في الرواتب هي الحل المفضل لدى عامة الناس، رغم أنه قد لا يحل المشكلة، بل يجعلها أعقد.

 

العوامل التي أسهمت في تراكم معاناة الاقتصاد و المواطن متشعبة و مرتبطة، لن تحلها عصى سحرية، فالمشاكل الهيكلية لا تقتصر فقط على شمّاعة الظروف الدولية والجفاف و ندرة المياه أو رفع أجور العاملين و الموظفين لربطهم بمعدل التضخم .

 

عندما نكتب (معدل) فإن هذا يعني أن انخفاض التضخم يتفاوت بين القطاعات، قطاعات الطاقة والغذاء، شهدت فعلاً انخفاضاً كبيرًا، لكن بقية القطاعات ليست كذلك.

 

معضلة (الأجور المنخفضة/ الأسعار المرتفعة)

 

يحذر صناع القرار و اتباعهم المتجمهرين للدفاع عن المواطن بعد الإشارة أيام الآحاد أو الجمعة من أن ارتفاع معدل التضخم، يدفع إلى مطالبة العمال/ الموظفين بزيادة أجورهم، مما يزيد من التضخم، لأن من أسباب التضخم الزيادة العالية في النقد، دون أن يقابلها زيادة مماثلة في عدد الخدمات والسلع ،حتى الآن زيادة واحدة تعرف طريقها لــ(مستحقيها) و هي “زيادة الشحمة في ظهر المعلوف” .

 

لكن الموظف العادي لا يكترث لتعقيدات الاقتصاد و نهج السياسة و الفساد المستشري بالبلاد، إذا وجد أن راتبه لم يعد كافياً لحاجاته، سوف يطالب إذن بزيادة في الراتب الذي لن يزداد و سيظل يطالب بالزيادة التي لن تجد طريق أخرى غير ضهر المعلوف،او ستزداد مع زيادة المهام و البؤس بجميع الأحوال.

 

الإجراءات التي اتخذتها الحكومة حتى اليوم لا تتعدى سياسة تقديم الدعم و كراء الأبواق و التماهي مع شطحات أشباه المعارضين، في محاولة للتخفيف من ظاهرة عميقة بدت غير قادرة على استيعاب عمقها و ارتباطها بمشاكل هيكلية أخرى تغض عنها الطرف .

 

عوامل ترسيخ وهم التضخم !

 

بسبب تباطؤ التضخم ، و تسجيل معدله لـ8.9 في المائة في يناير، ثم قفزِه إلى 10.1 في المائة فبراير وتراجعه مع بداية الفصل الثاني بالماوازاة مع ارتفاع أثمان المواد الغذائية بـ18.4 في المائة مقارنة مع السنة الماضية والمواد غير الغذائية بـ3.7 في المائة خلال شهر فبراير. وجد الموظفون/ العمال تحسنًا حقيقيًا في قدرة رواتبهم الشرائية بداية شهر العطل و الاصطياف، لكن سرعان ما عادت حليمة لعادتها القديمة مع ارتفاع أسعار المحروقات,الشمٌاعة التي تعلق عليها كل الارتفاعات و تتستر على مُعاناة بنية تسويق المواد الغذائية من ممارسات احتكارية ومضاربات؛ و التي أُشير إليها أكثر من مرة بأنها المسؤولة عن رفع ثمن المنتوج بأكثر من أربعة أضعاف عن ثمن بيع الفلاح ؛الذي يخضع لبنية تسعير داخل أسواق الجملة مع إضافة (ريعية) تعادل 7 في المائة من رقم المعاملات ، حيث يُجسد الأمر تكملة للصورة القاتمة للبنية الريعية المتحكمة في مفاصل تدبير الأسواق، و مع إضافة بنية التخزين المهترئة و المتجاوزة للمعايير المعمول يزداد الأمر سوءاً ، حيث إن 25 في المائة منها بدون بنية، و60 في المائة بنيتها ضعيفة؛ ظروف كلها تؤدي إلى فقدان 40 في المائة من منتوج بعض المواد الأساسية.حتى الفلاحة المعيشية التي توفر المنتوج المحلي الذي ترتفع قيمته حين انحصار سلاسل التوريد ؛ اصبحت اليوم تعاني الأمرين و اصبحت انتاجيتها محدودة بعد توجه مخطط المغرب الأخضر نحو الزراعة التسويقية الموجهة نحو الخارج،مع العلم أن الفلاح الصغير سيزداد فقرا بسب الظروف المناخية التي أنهكت زراعته المعيشية في ضل مواصلة الدعم الذي لا يسمن و لا يغني من جوع بعد مروره على أيادي المتاجرين بالوعاء الإنتخابي لتبقى الأمور على حالها بانتظار غيت السماء ، و استنزاف المقدرات المائية من جديد من قبل اللوبيات التي تنتظر تحلية مياه البحر المقدر لها أن ترفع تكلفة المتر المكعب من درهمين إلى خمس دراهم،

 

ليبقى السؤال المعلق من سيساهم و من المستفيد!؟

 

من منظور أوسع:

 

تكمن الحلول الموجهة لعدة قطاعات بهذه البلاد التي حباها الله بثروات معدنية و فلاحية و بحرية ..وبنية مجتمعية فتية يشكل الشباب قاعدتها الأساس؛ في جعل المواطن الفيصل الأول والأخير في الحقل السياسي- اختيارا ودعما ومحاسبة- لحلحلة البنيات الريعية التي تسترزق و تراكم الثروات من جيوب البسطاء و تتلاعب بأحلام الشباب .

 

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)