أين موقع تركيا من الأزمة الاكرانية؟ رجوع إلى التاريخ لفهم رفض أنقرة مرور السفن الحربية.

هشام الحو

وقعت اتفاقية مونترو بشأن نظام المضائق، أو اختصارا اتفاقية مونترو، بمونترو في العام 1936، ومنحت تركيا بموجبها السيطرة على مضيقي البوسفور والدردنيل التركيين، وتنظم عبور السفن الحربية التابعة للبحرية.

وتضمن هذه الاتفاقية حرية مرور السفن المدنية في وقت السلم، وتقيد مرور السفن البحرية التي لا تنتمي إلى دول البحر الأسود.

وقِّعت الاتفاقية في 20 يوليو 1936 في قصر مونترو بسويسرا، وقد سمحت الاتفاقية لتركيا بإعادة تسليح المضائق، حيث دخل الاتفاق حيز التنفيذ في 9 نوفمبر 1936 وتم تسجيله في مجموعة معاهدات عصبة الأمم في 11 ديسمبر 1936. ولا يزال ساري المفعول.

مضيقا البوسفور والدردنيل
كانت الاتفاقية واحدة من سلسلة من الاتفاقيات في القرنين التاسع عشر والعشرين والتي سعت إلى معالجة قضية المضائق طويلة الأمد حول من يجب أن يسيطر على الممرات الحيوية الاستراتيجية بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط.

ففي سنة 1923 نزعت معاهدة لوزان سلاح الدردنيل وفتحت المضائق أمام حركة مرور مدنية وعسكرية غير مقيدة، تحت إشراف لجنة المضائق الدولية التابعة لعصبة الأمم ولكن بحلول أواخر الثلاثينيات تغير الوضع الاستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط مع صعود إيطاليا الفاشية، التي سيطرت على جزر دوديكانيسيا التي يقطنها اليونانيون قبالة الساحل الغربي لتركيا، وشيدت تحصينات في رودس وليروس وكوس.

خشي الأتراك بعدها  من أن تسعى إيطاليا لاستغلال الوصول إلى المضيق لتوسيع قوتها في الأناضول ومنطقة البحر الأسود. كما كانت هناك مخاوف من إعادة التسلح البلغاري.
على الرغم من أنه لم يُسمح لتركيا بتحصين المضائق، إلا أنها فعلت ذلك سراً فيما بعد.

في أبريل 1935 أرسلت الحكومة التركية مذكرة دبلوماسية مطولة إلى الموقعين على معاهدة لوزان تقترح عقد مؤتمر حول اتفاقية نظام جديد للمضيق وطلبت من عصبة الأمم السماح بإعادة بناء حصون الدردنيل.

وفي المذكرة أوضح وزير الخارجية التركي آنذاك أن الوضع الدولي قد تغير بشكل كبير منذ 1923. في ذلك الوقت كانت أوروبا تتجه نحو نزع السلاح وضمان دولي للدفاع عن المضيق.
فظهور أزمة الحبشة سنتي 1934 و 1935، وإدانة ألمانيا لمعاهدة فرساي والتحركات الدولية تجاه إعادة التسلح تعني أن الضمان الذي كان يهدف إلى الحماية من انعدام الأمن التام للمضائق قد اختفى بدوره.

و كان الرد على المذكرة التركية إيجابيًا بشكل عام، حيث وافقت أستراليا وبلغاريا وفرنسا وألمانيا واليونان واليابان ورومانيا والاتحاد السوفييتي وتركيا والمملكة المتحدة ويوغوسلافيا على حضور المفاوضات في مونترو بسويسرا، والتي بدأت في 22 يونيو 1936 لم يتم تمثيل قوتين رئيسيتين: فإيطاليا التي دفعت سياساتها التوسعية العدوانية إلى المؤتمر في المقام الأول قد رفضت الحضور، ورفضت (الولايات المتحدة) حتى إرسال مراقب.

طرحت كل من تركيا والمملكة المتحدة والاتحاد السوفييتي مقترحاتها الخاصة، والتي هدفت بشكل أساسي إلى حماية مصالحها. ففضل البريطانيون استمرار النهج التقليدي نسبيًا، بينما سعى الأتراك إلى نظام أكثر ليبرالية أعاد تأكيد سيطرتهم على المضائق واقترح السوفيت نظامًا يضمن حرية المرور المطلقة.
سعى البريطانيون بدعم من فرنسا إلى استبعاد الأسطول السوفيتي من البحر الأبيض المتوسط، حيث ربما كان يهدد ممرات الشحن الحيوية إلى الهند ومصر والشرق الأقصى.

وفي النهاية نال البريطانيون بعض طلباتهم بينما نجح السوفيت في ضمان منح دول البحر الأسود – بما في ذلك الاتحاد السوفيتي – بعض الإعفاءات من القيود العسكرية المفروضة على الدول غير المطلة على البحر الأسود.
تم التصديق على الاتفاقية من قبل جميع الحاضرين في المؤتمر باستثناء ألمانيا، التي لم تكن من الدول الموقعة على معاهدة لوزان، وبتحفظات من اليابان، ودخلت حيز التنفيذ في 9 نوفمبر 1936.

نص الاتفاقية

ألغت الاتفاقية الفقرات المتعلقة بالمضائق في معاهدة لوزان، التي نصت على نزع السلاح من جزيرتي ليمنوس وسمدرك اليونانيتين إلى جانب نزع سلاح الدردنيل وبحر مرمرة والبوسفور والجزر التركية امروز وبزجادة وتافشان.

تتكون الاتفاقية من 29 مادة وأربعة ملاحق وبروتوكول واحد. تتناول المواد (2-7) مرور السفن التجارية. تتناول المواد 8-22 مرور السفن الحربية.

فالمبدأ الأساسي لحرية المرور والملاحة منصوص عليه في المادتين 1 و 2. فالمادة 1 تنص على أن “إقرار وتأكيد الأطراف الدولية المتعاقدة على مبدأ حرية المرور والملاحة في المضائق”. ونصت المادة 2 على “تمتع السفن التجارية بالحرية الكاملة للمرور والملاحة في المضائق في وقت السلم، ليلا ونهارا، وتحت أي علم وأي نوع من البضائع”.

وتم إلغاء لجنة المضائق الدولية، وفوضت القوة العسكرية التركية بالسيطرة الكاملة على المضائق وإعادة تحصين مضيق الدردنيل. سُمح لتركيا بإغلاق المضيق أمام جميع السفن الحربية الأجنبية في زمن الحرب أو عندما تكون مهددة بالعدوان. كما تم التصريح برفض عبور السفن التجارية التابعة لدول التي هي في حالة حرب مع تركيا.

بموجب المادة 12 يُسمح لدول البحر الأسود بإرسال غواصاتها عبر المضيق مع إشعار مسبق، طالما سفنها في طور البناء أو الشراء أو أرسلت للصيانة خارج البحر الأسود.

اتفق على أن القواعد الأقل تقييدًا المطبقة على دول البحر الأسود هو امتياز فعلي للاتحاد السوفيتي، الدولة الوحيدة المطلة على البحر الأسود -باستثناء تركيا- التي لديها عدد كبير من السفن أو الغواصات. وسُمِح بعبور الطائرات المدنية بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود ولكن عبر طرق تسمح بها الحكومة التركية.

كيف يؤثر ذلك على روسيا؟

تقع كل من روسيا وأوكرانيا على البحر الأسود، إلى جانب رومانيا وأعضاء الناتو بلغاريا وجورجيا. يمكن لتركيا أن تحد من عبور السفن الحربية الروسية من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأسود عبر مضايقها بموجب اتفاقية مونترو، لكن الاتفاقية تتضمن بندا يسمح للسفن الحربية للدول المتحاربة العبور إذا كانت عائدة إلى قاعدتها الأصلية.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو: “إذا كانت سفينة الدولة المحاربة عائدة إلى مينائها، فسيكون هناك استثناء. سننفذ جميع أحكام اتفاقية مونترو بشفافية”، مضيفًا أنه لا ينبغي إساءة استخدام الاستثناء.

لكن ستبقى الايام القادمة كفيلة لكشف مدى صمود هذه الاتفاقية أمام تورط مجموعة من الدول في الحرب الأوكرانية و بداية الإمدادات من الأسلحة الفتاكة نياكة بروسيا و ليس دفاعا عن اكرانيا ،اضافة إلى تغير موازين القوى و تطور الأسلحة المتاحة حالياً ،و انتقال الحرب التقليدية إلى التكنولوجيات العالية التقنية من الصواريخ البالستية العابرة للقارات و السلاح النووي. 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .