المغرب 49% من المواطنين يشتكون من تدهور الاقتصاد
منذ جائحة كوفيد 19 وبداية الصراع في أوكرانيا، يمر العالم بفترة من التضخم غير مسبوق. وهذه العاصفة الاقتصادية تهز الأسواق العالمية، مما يؤثر بشكل خاص على قطاعات الطاقة والزراعة. وأدى تعطل سلاسل التوريد، إلى جانب الطلب المتقلب، في ارتفاع أسعار المواد الخام والسلع الغذائية وقد خلق هذا الوضع ضغطًا كبيرًا على الاقتصادات الوطنية، مما أجبر الحكومات على الموازنة بين الاستقرار المالي ورفاهية مواطنيها. يجد المغرب، مثل العديد من الدول الأخرى، نفسه في قلب هذا الاضطراب الاقتصادي العالمي إلى ارتفاع أسعار المواد الخام والمواد الغذائية.
وفي المملكة المغربية الشريفة ، يشير ميزان الحرارة الاقتصادي إلى ارتفاع متزايد في تكاليف المعيشة. وتكشف دراسة حديثة أجرتها (L‘Économiste-Sunergia) عن صورة مثيرة للقلق :ما يقرب واحد من كل اثنين من المغاربة يعتقد أن قدرته الشرائية تدهورت في سنة 2024 مقارنة بالعام السابق. ويعكس هذا الرقم المقلق البالغ 49% واقعاً اقتصادياً يثقل كاهل الحياة اليومية للمواطنين.
إن الأسعار المرتفعة تعمل كموجة عارمة مثل تسونامي، تجتاح العادات الاستهلاكية الراسخة. إن المغاربة، مثل البحارة في مياه مضطربة، مضطرون إلى إعادة ضبط أشرعتهم المالية. الغذاء، وهو ركيزة أساسية لميزانية الأسرة، وطأة هذه العاصفة الاقتصادية. واضطر الكثيرون من الناس إلى تقليص وخفض نفقاتهم الغذائية، متأرجحين بين الضرورة والحرمان.
إن هذا التآكل في القدرة الشرائية لا يستثني أي شريحة او طبق من المجتمع المغربي، لكن تأثيراته تختلف من فئة إلى أخرى. ويبدو أن الرجال يشعرون بهذا التدهور بقسوة أكبر، حيث أبلغ عن 54% منهم عن انخفاض في قدرتهم الشرائية، مقارنة بـ 29% من النساء. ويمكن تفسير هذا التفاوت بالأدوار الاجتماعية التقليدية حيث يُعتبر الرجال غالبًا المعيلين الرئيسيين، مما يجعلهم يشعرون بالضغط المالي بشكل أكبر.
ومن المفارقة أن الشباب المغربي، الذي يعتبر غالبا المحرك للتغيير، يجد نفسه بشكل متناقض معوقًا ومتباطئا في تقدمه الاقتصادي. يلاحظ أكثر من نصف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 سنة والذين تتراوح أعمارهم بين 35 و44 سنة يلاحظون تدهورًا في وضعهم المالي. ويرى هذا الجيل من الفئة العمرية الشبابية، العالق بين طموحاته وتطلعاته والواقع الاقتصادي، حيت يرى أن خططه ومشاريعه المستقبلية مهددة بسبب عدم الاستقرار المالي.
وفي التسلسل الهرمي المهني، يبدو أن موظفي الخدمة المدنية في الفئتين (أ) و(ب) هم الأكثر تضررا، حيث أعلن 58% منهم عن انخفاض في قدرتهم الشرائية. وتؤكد هذه المفارقة الواضحة ــ الوظائف المستقرة ولكن الشعور المتزايد بعدم الاستقرار ــ على عمق الأزمة الاقتصادية التي تهز البلاد.
أمام هذه الوضعية، يظهر المغاربة قدرًا كبيرًا من الصمود، إذ يعدلون أنماط حياتهم وعاداتهم الاستهلاكية. ومع ذلك، يثير هذا التكيف القسري تساؤلات حول مدى استدامة هذه التعديلات على المدى الطويل وتأثيرها على النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
أمام هذه الوضعية، يظهر المغاربة مرونة وقدرًا كبيرًا من الصمود الملحوظة، ويتكيفون مع أنماط حياتهم وعاداتهم الاستهلاكية. ومع ذلك، فإن هذا التكيف القسري يثير تساؤلات حول استدامة هذه التعديلات على المدى الطويل وتأثيرها على النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمملكة.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن التحدي الذي يواجه المغرب سيتمثل في التنقل و الموازنة بين الحاجة إلى تحفيز النمو الاقتصادي وضرورة حماية القدرة الشرائية لمواطنيها. وستكون السياسات المبتكرة التي تهدف إلى تثبيت الأسعار ودعم التوظيف وتشجيع الاستثمار حاسمة في تغيير الثروات وتصحيح المسار الاقتصادي للمملكة.
وتعكس الوضعية الاقتصادية في المغرب واقعًا معقدًا حيث تختلط فيه التحديات العالمية بالقضايا المحلية. إذا كان ما يقرب من نصف المغاربة يشعرون بتدهور في قدرتهم الشرائية، فإن المجتمع بأسره مدعو إلى التعبئة لإيجاد حلول مستدامة. وسيعتمد المستقبل الاقتصادي للمملكة على قدرتها على تحويل هذه الأزمة إلى فرصة لإعادة البناء والإصلاح والابتكار الاجتماعي والاقتصادي.
Comments ( 0 )