حوار مع “ميدو” مخرج مسرحية “Cicatrices” تجربة واعدة بالمسرح التجريبي المغربي
بانتظار برمجة جديدة لهذا العمل الفني ذو الحبكة الفنية بجميع المقاييس، و الذي نال استحسان اللجان القائمة على برمجة الأعمال المسرحية للبث على قنوات الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة .
و بانتظار مثل هذه المواضيع المجتمعية التي تصورها مسرحية” cicatrices ” و الجديرة بالاهتمام الفني و المتابعة الصحفية لحاملي مثل هذه المشاريع الفنية البناءة ،التي تترأس قائمة اهتماماتنا بجريدة المنظور، لاعتبارات عدة، كون الفن الحقيقي هو الذي يصور جمال الشيء، لا الذي يصور الشيء الجميل، بغية الوصول للحلول واقعية ترتبط باهتمامات المجتمع، و هذا بالفعل ما استطاع تحقيقه الفنان الشاب محمد اوهمو المعروف بالوسط الفني بـ ” ميدو ” ،
ارتئينا من خلال متابعتنا لعمل الشباب بالحقل الفني الرجوع لمتابعة هذا العمل الفني الراقي بكل المقاييس من خلال حوار مع مخرج هذه التحفة الفنية التي تعتبر تجربة رائدة في المسرح التجريبي المغربي .
نص الحوار مع محمد أوهمو أجراه الصحفي هشام الحو.
-يتسع مدى اهتماماتك الفنية فوق خشبة المسرح، فما هي الأشياء التي تقوم بها بالضبط مع المجموعة؟
– اعمل بالتشخيص والإخراج لأعتقادي أنني أجيد فعلهما، ويمكنني أن أقدم فيهما أشياء كثيرة. بطبيعة الحال هناك تقاطع مع صنائع فنية أخرى من قبيل السينوغرافيا والإضاءة ومجالات أخرى، لأن الإخراج المسرحي يدفع بك لربط علاقات بمهارات أخرى فوق الخشبة، لكن تركيزي ينصب على التشخيص والإخراج المسرحي في الظرفية الراهنة.
– ماهي الأسباب التي دفعت بك للاشتغال في المسرح؟
-لدي دافعان في الحقيقية. دافع داخلي، وهو راجع بالأساس إلى اكتشاف موهبتي وحبي لاب الفنون منذ الصغر؛ أردت أن أمارس شيئا أجده أقرب إلي. هذه علاقتي بالفن في الحقيقة: إذ أعيش مع عملي الفني كما لو كان مولودا علي الاعتناء به، ورعايته إلى أن ينمو و يخرج للوجود.
أما الدافع الخارجي، فهو مرتبط بتكويني الأكاديمي، والذي يندرج ضمن مهن المسرح.
– من منظورك الخاص، حدثنا عن واقع المسرح المغربي حاليا؟
– بالنسبة لي، المسرح المغربي، والعالم يشهد على هذا ؛ غدى منفتحا على التجديد في الأساليب الفنية، وفي الكتابة، والرؤى الإخراجية، وطريقة التعامل مع السينوغرافيا..إلخ.
يؤكد هذا النتائج التي أحرزها ولا زال المسرح المغربي في المهرجانات العربية والدولية و خير مثال ما حققته مسرحية كادافر مؤخرا بالقاهرة في إطار مهرجان المسرح الجامعي.
و بالنسبة لنا سبق وشهدنا دورتين متتاليتين في “المهرجان الدولي للمسرح العربي الذي تنظمه “الهيئة العربية للمسرح” توج فيها المسرح المغربي بجوائز كبرى وهذا لم يكن ليتحق لولا هذه الوتيرة المتصاعدة في التجديد والابتكار. لكن بالمقابل، نحن في حاجة إلى مزيد من المهرجانات والمنافسات لأنها تحرك المشهد الفني، وتدفع بمزيد من الإبداع نحو جمهور ذواق .
– كيف ترى المستقبل
في اعتقادي، يسير المسرح بخطى ثابتة وصحيحة من الناحية الإبداعية والاستطيقية، لكن يبقى مجال الدعم منقوصا، نوعا ما، صحيح أن هناك دينامية سياسية تروم الدفع بهذا القطاع نحو الأفضل ؛ هذا ما حصل في الآونة الأخيرة، لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من الجهد و الدعم.
– حدثنا عن ميزة المسرح المغربي لغيره؟
– يظهر المسرح المغربي في مستواه الفني كما لو كان بصدد اتخاذ شكل مميز وفريد. وفرادته طبعا إنما يدعمها غنى و تنوع المجتمع المغربي من الناحية الثقافية.
حيث أن المغرب يعد من البلدان التي تلتحم فيها مجموعة من الثقافات المختلفة ما يجعله مجالا خصبا للإبداع واستلهام الأفكار وخزانا مهما لإغناء المسرح وتغذيته، وعلينا بالمقابل أن نحرص على استغلاله أحسن استغلال. هذه ميزتنا نحن المغاربة مقارنة بدول أخرى. أزيد على هذا، أن المغاربة منفتحون على التجارب العالمية.
– ميدو ..أنت تنتمي إلى الجيل الجديد و المُجدد. باعتقادك ما هي الأشياء التي بإمكانك إضافتها إلى المشهد المسرحي المغربي؟
– أنا دائم الميول في اختياراتي الإخراجية إلى المسرح التجريبي المعاصر وأحب أن أدمج بين المسرح والسينما، يتجلى ذلك من خلال الاستعانة بالوسائط وكذا تصورات الإضاءة… وأعتمد كذلك على الحركة المتواصلة في جميع العناصر فوق الخشبة من ممثل وإضاءة و سينوغرافيا. هذه الحركة هي بمثابة الحياة الي تخترق سكون الخشبة وتزعج جمودها، لتظهر حية متقدة طوال أطوار العرض. فلا أحبذ أن تكون الحركة حكرا على الممثل وحده.
– ألى تعتبر أن إدماج بعض التقنيات السينمائية تعسفا أو تحريفا للفن والمسرح؟
– بالعكس فهي تضفي على المسرح أبعاد جمالية- موضوعية أخرى، اذا وُظفت للمحافظة على روح المسرح المتجسدة في عناصره (الممثل، الصراع، الجمهور…)،
– إذن فتوظيف هذه الوسائط يجب أن يكون مكملا لهذه الروح، وأن يكون مطلوبا لا مجانيا!
– بالضبط فلدينا الآن، على صعيد التوجهات الفنية نزعتين: نزعة تؤكد على المسرح من حيث صيغته الكلاسيكية: التركيز على النص والكلام الموزون إلخ… يُصر هذا الاتجاه على أن يكون المسرح خالصا مُنزها عن أي إضافات تحرفه عن هويته الأصل. وهناك نزعة تروم إلى الابتكار والتجديد من طريق الوسائط المستعملة وإدخال تقنيات تقدم المسرح في قوالب فرجوية جديدة.
-هل هناك صراع بين الأجيال في المسرح المغربي؟ أو بصيغةأخرى هل تلقون الدعم من رواد هذا الفن؟
-نعم إن شئتَ قول ذلك. لكن يحسن بنا أن نسميه تعارضا لا صراعا، وهذا التعارض بحد ذاته يبقى خفيا وغير ملحوظ. بالطبع هناك مسرحيون كبار يصرون إصرارا شديدا على عدم إدخال الوسائط، والاكتفاء بالكلمة والخطاب. هذا مع العلم أن هناك تجارب عالمية متأخرة بلغت حد القطع مع النص بشكل نهائي، لتقدم لنا مسرحا بلا نص، وعرضا بلا كلمة، وإطلاق العنان لعناصر أخرى كالإضاءة، جسد الممثل وغيرها من الطاقات، ومن هؤلاء أذكر كريك «E.G. Craig».
-اعجبتني بنصف الجواب ! اكرر هل تجد دعما معنويا من قبل الرواد والذين سبقوك إلى هذه الصنعة؟
نعم أتلقى دعما معنويا من قبل بعض الفاعلين الثقافيين والمسرحيين، منهم من لازال على قيد الحياة، ومنهم من وافته المنية، على غرار الدكتور حسن المنيعي، وهو رجل كان دائما متحمسا للتجارب الجديدة، ولم يكن يفوت عرضا من العروض الجديدة، بل كان يكتب عنها باستمرار ويقدم فيها دراسات نقدية. بالمقابل هناك من يرفضون هذا المسرح.
– باعتبارك منشغلا في المسرح التجريبي، كيف تنظر إلى الجمهور؟ وما هي طبيعة التفاعل الذي تتوقعه منه؟
– هناك فكرة أساسية يقوم عليها المسرح التجريبي: مفادها عدم التعامل مع الجمهور كما لو كان مجرد متلقي فاتر. نحن، وعلى العكس من ذلك، نتعامل مع الجمهور بوصفه كيانا يتفاعل مع العرض، بل وقد يتدخل في الخط الدرامي للعرض، أو تحديد نهايته. وطالما أن العرض المسرحي منفتح على تأويلات ومدلولات متنوعة -فالجمهور بهذا الصدد يتفاعل معها – ولا يكتفي بالمشاهدة فحسب.
– نفهم من هذا أن هذا النوع من العروض يفترض جمهورا بمواصفات خاصة؟
– لا يمكنك باي حال ممارسة الانتقائية على الجمهور. إنما عليك أن تتعامل معه كما هو، الاهم هو أن يحضر إلى المسرح ليشاهد عرضا، ثم ينصرف إلى بيته وقد أدرك أنه استمتع.
– إن مسألة الذوق مطروحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، بعد التدفق التكنولوجي المهول الذي يشهده المغرب، وتأثيره على المادة الفنية ووسائل عرضها والترويج لها.
سؤال :هل ينبغي للعمل الفني أن يواكب نزعات الجمهور، أم أن على الجمهور أن يتدرب على مسايرة أفق العمل الفني؟
– هذا نقاش يحتاج لأكثر من متتدخل بالعمل الفني عموما؛ إذ يقال في العادة إن نوع الأعمال التي نقوم بها لا تلقى قبولا واسعا لدى الجمهور، بينما في الطرف الآخر هناك تفاعلا كبيرا مع المسرح “التجاري”، ثم نعود في آخر الأمر إلى المثل المصري القائل: “الجمهور عاوز كدة”. المسألة برمتها ليست متعلقة بالنزول عند رغبة المشاهد، أو حتى جعل الجمهور يواكب تطلعات العمل الفني، بل متعلقة بتنوع وتعدد الحقل الجماهيري. ولكل جمهور خصائص مميزة. فجمهور كرة القدم يميزه الانفعال والاندفاع بما يتمشى مع صخب صدى الملاعب. أما جمهور المسرح بالمقابل، فهو من النوع الذي يقتعد الكراسي، ويتفاعل مع العرض بطريقة هادئة هي أبعد ما تكون إلى الصخب والحماس. إذما استقدمنا جمهور كرة القدم إلى المسرح، فإن على العرض أن يواكبه. ميزة العرض المسرحي تكمن في كونه يعرض في قاعة. وهو ما يستوجب مشاهدته في عين المكان. وفي هذه الحالة يكون الجمهور هو المقبل على العرض، وليس العكس. إذن فنحن نقوم بالعملية الإبداعية من زاويتنا ليس كإخراج فقط وإنما كفريق منتِج للعمل.
أقول هذا وأنا أجد نفسي مجبرا على التذكير بأن على صانع العرض المسرحي أن يراعي الظروف المجالية، والثقافية للجمهور، مرجعتيه ولغته. هذه الأشياء هي الأشياء التي ينبغي مراعاتها، ما دون ذلك لا ينبغي الانسياق إلى الجمهور.
قدمتم عرضا في إطار “المسرح يتحرك” بمسرح محمد السادس بالدار البيضاء. كيف كانت هذه التجربة؟ وخصوصا بحضور الطاقم التلفزي؟
– دعني أولا أتحدث عن هذه المبادرة باعتبارها جاءت لتبرز هذا النوع من التحرك الإيجابي في إطار السياسة الثقافية بالبلد. قدمنا عرضا بحضور طاقم الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. وقد كان التنسيق مع هذا الطاقم سلسا ومثمرا. طبعا هناك تباين في الخلفية وفي طريقة الاشتغال بين صنعة المسرح وبين صنعة التلفزيون، لكن التواصل والعمل كان جيدين. سرني أيضا في هذا العرض أن ألتقي مجددا بالجمهور.
سبق لنا الإحاطة في مقالة سابقة بمسرحيتك” cicatrices ” النص المسرحي فيها جميل رغم تصويره لمعاناة فئة من المجتمع.
حدثنا عن هذا العمل.. !
“سيكاتريس” هو عرض يتحدث عن المرأة ومعاناتها سواء من حيث هجرة الزوج أو من حيث الهيمنة الذكورية وأشياء أخرى. طبعا العمل مستوحى من الجنوب الشرقي، لكن الموضوع متعلق بمناطق كثير في المغرب. فعنوان المسرحية يشير كما هو ملاحظ إلى “الندبة”، وهو الجرح الزائل وتبقى آثاره بعد زواله. هناك أناس كثر ليس لديهم دراية عن هذا النوع من المشاكل الاجتماعية. وهدفنا نقل هذه المشاكل على نحو دراماتولوجي إلى هؤلاء.
– حدثنا عن الطاقم الفني والتقني الذي اشتغل في هذا العرض؟
-قام عملنا على المسرح التشكيلي الرمزي، وهو ما يتطلب فنانين لهم قدرات تتجاوب مع هذا النوع من الأعمال. وبالفعل، كان الطاقم في مستوى التطلعات. طبعا يوجد ضمنهم من شارك معنا في أعمال سابقة، ومنهم من جمعنا معه اللقاء في هذا العمل. كانوا جميعا بالمستوى، سواء الفريق التقني أو الفريق الفني. وقد جاء نجاح العمل من المجهود الجاد والصبور الذي قاموا به.
– ملحوظ أن هذا العرض مشبع بمحتوياته التقنية والفنية. فقد تم توظيف عناصر متعددة في الوقت ذاته: التشخيص، الأصوات، البلاي باك، الفيديو مابينغ، وفي نفس الوقت تم توظيف آلة لوتار الشعبية.
سؤال : كيف يمكننا أن نعلل توظيف آلة كلاسيكية في عرض يعتمد على الوسائط التقنية؟
– بالرغم من أن المسرح يقتبس من الواقع، إلا أنه يقوم بغربلة ما يقتبسه ليعطيه بعدا رمزيا يتمشى ومتطلبات العرض المسرحي. من المعروف أن آلة لوتار في الأطلس المتوسط وفي الجنوب الشرقي لها حضور مرتبط بأشكال موسيقية أصيلة لها رواد على غرار الراحلين حمو واليزيد ومحمد رويشة ومحمد مغني أطال الله في عمره. ويمكننا أن نقول أننا عملنا على نقل هذه الآلة إلى فضاء المسرح ،اي إعادة تطويع محتواها لتتمشى وطبيعة الواقع بالمسرحية. وقد تحقق هذا فعلا مع الفنان الموسيقي هشام بوبا، الذي انطبق عليه القول “السيد ضابط شغلو”، لأنه جعل الفكرة ممكنة. كان مشروعنا مرتكزا على خلق موسيقى وترية تخرج عن إطار المألوف والمتداول، وتداعب أفق الخيال المسرحي الذي يسبح فيه مضمون العرض. وكان هناك عمل مضن مشترك. بإمكاني أن أزعم أننا قد نجحنا في هذا إلى حد بعيد.
-ملحوظ أن البنية العامة للعرض تميزها الحركة. إذ لا نجد شيئا مستقرا على حال: بدءا بالممثلين والديكور والسينوغرافيا وصولا إلى الإضاءة. بل إن نهاية العرض نفسها لم تكن تبدو مستقرة؟
– تروم السينوغرافيا المعلقة في العرض إلى بسط العناصر المكونة للشخصية الرئيسية. ومن ثم، تأتي هذه السينوغرافيا للتعبير عن السيكولوجية المتذبذبة لهذه الشخصية، فهي منزلة بين المنزلتين، تعيش وضعية عائلية لا هي متزوجة ولاهي مطلقة، لا هي راضية ولا هي قانعة، لا هي متشبثة بحلمها ولم تفضل الهروب للامام.
-ماهي التجارب التي تستلهم منها اذن؟
-يتميز المشهد العالمي الآن باتجاهات متنوعة. أنا أميل إلى المنهج التشكيلي الرمزي في المسرح بشكل عام ويعجبني الاشتغال بمنهج ستانيسلافسكي في إعداد الممثل، فهو يشتغل مع الممثل كما لو كان في صالة رياضة، و هو نهج يهتم بالتفاصيل إلى حد بعيد، وفي ميولاتي هذه أحاول أن أضع بصمتي الخاصة، كي لا أجتر السائد. وبخصوص التجارب المغربية التي تلهمني، فإني أجدني على صلة دائمة بأعمال الراحلين الطيب الصديقي والطيب العلج. لأن الرجلين قدما لنا تجارب مميزة باستثمار الثقافة الشعبية. عملي إذن يقوم على دمج هذه التجارب ما أمكن الأمر، حتى أقدم في الأخير منتوجا ذا طبيعة تشكيلية رمزية، لا يخلو من روح مجال التمغرابيت.