شبكونا…

هشام الحو

ليسوا شباك المرمى ولا شباك الصيد ولا شبكة الأرجوحة ولا شبكية العين ولا شبكة العلاقات ولا شبكات التواصل الاجتماعي، هي اعقد من الشبكات كلها، ويمكنها شَبك كل شئ يحوم داخل ثالوث الجنس و المال والسلطة.

أكثر تعقيدا ؛شبكات تشبك الاستثمارات و الاصول و تحدث الفقر عبر الوصولية و المحاباة و التمييز، لها أعين كثيرة كالشبكة التي نعرف، تتخللها أعين لكن نسيجها أكثر تعقيدا من ان تدركه الأعين المجردة رغم انها تحوم حول المجتمع و محيط المؤسسات و تشبك كل ما يأتي في طريقها و تستقطب كل مُتعاون تلائم طموحاته اهدافها.

شبكات يهدف اصحابها الى تحقيق أهداف شخصية، وخدمة مصالحهم الخاصة عوض المصلحة العامة، هي صاحبة العراقيل المقصودة، التي تطال القوانين و المساطر و التنمية.

تُعثّم علاقاتها على الشفافية بالإدارات و تُحدث الكثير من المشاكل  بميزان القضاء. كشبكة “السمسرة الحديثة” التي ما زالت تتكشف العديد من تفاصيلها داخل المحكمة الزجرية بالدار البيضاء، بعد أن أطاح بها التحقيق القضائي و الأمني، الذي رصد المكالمات الهاتفية من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي فكت شيفرات المكالمات بين الموقوفين. “صيفطي لي شي واحد” الرسالة التي ترددت أكثر من مرة على لسان المسؤول ،لغتهم غير مفهومة للعموم، تحركاتهم و ايحاىاتهم معقدة.  

و لتقريب مفهوم الشبكات ،يمكن التفكير في الشبكة على أنها مؤسسة إلى حد ما ، لأن الفرضية الأساسية الأولى في المنظور المؤسساتي هي أن المؤسسات تخلق عناصر النظم وقابلية التنبؤ، وتصوغ اللاعبين وتعينهم أو تعوقهم في أثناء حركتهم ضمن منطق من الأفعال الملائمة، إلا أن الشبكات تمثّل أنماطاً مستقرة ومتكررة من التفاعل السلوكي، أو تبادل المصالح بين الأفراد والشبكات الأخرى. 

يُنظر من خلال المقاربة الشبكية  إلى الشبكات -وإلى حد بعيد- بالطريقة ذاتها التي وصف بها بيتر هول المؤسساتية، وهي أنها متغيرات وسيطة حاسمة تؤثّر في توزيع السلطة و المال، وفي بناء المصالح والهويات وديناميكيات التفاعل و المزاج العام.

 كما لا يوجد نموذج واحد لدراسة الشبكات، بل هناك مناقشات متداخلة في علوم السياسة، ونظرية التنظيم والإدارة العامة، وعلم الاجتماع الاقتصادي…

المؤسسات المتعارف عليها تقوم على ترجمة البنى إلى فعل سياسي، وترجمة الفعل إلى استمرارية وتغيير مؤسساتي، تتولدان عبر عمليات قابلة للفهم وروتينية. عكس الشبكات التي تنتج أنماط فعل ونماذج تخريبية متكررة.

ذلكم، ما يشكل الصعوبات أمام طلاب المؤسسات في شرح كيفية إرساء استقرار العمليات أو زعزعتها، و العوامل التي تديم هذه العمليات الجارية أو تعوقها.

لفهم أو كمحاولة للفهم على الأقل لخصائص(مؤسساتية) الشبكات أو الشبكات المؤسساتية:

يبقى من العدل القول إن هناك أربعة مبادئ، أو فرضيات مشتركة بين تيارات مؤسساتية الشبكات المختلفة.

_ أوّل هذه المبادئ وأكثرها عمومية هو المنظور العلاقاتي Relational Perspective للفعل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. 

اما في التفسير الاجتماعي بدليل اكسفورد للمؤسسات السياسية، فيناقض مصطفى إميرباير المنظور العلاقاتي بالمقاربات الخصائصية Attributional Approaches؛ ففي هذه الأخيرة، تُفسّر الظواهر على أساس خصائص الشخصيات، أو المجموعات، أو المنظمات.

أمّا مؤسساتية الشبكات فتؤكّد، على العكس؛ العلاقات التي لا يمكن اختزالها إلى خصائص شخصية، بوصفها وحدة التفسير الأساسية.

_ أما المبدأ الأساسي الثاني من هذه المبادئ لتقريب مفهوم الشبكات فهو افتراض التعقيد Complexity، وفيه يُفترض بالعلاقات التي تربط الأشخاص والمجموعات والمنظمات أن تكون معقّدة؛ بمعنى أن الصلات بينها متداخلة ومتشابكة. 

لان المجموعات والمنظمات ليست دائما مقيّدة بإحكام، وهي بالتأكيد ليست واحدية Unitary، وغالبًا ما تكون متداخلة. 

_ والمبدأ الأساسي الثالث من مبادئ مؤسساتية الشبكات هو أن الشبكات موارد مستقطبة للافراد وتقييدات على السلوك المشترك، وهي، بوصفها موارد(معلومات)، قنوات للمعلومات والمساعدة المعبأة سعيًا وراء مكاسب معينة(غالبا ما تدور في فلك الثالوث)، أمّا بوصفها تقييدات، فهي بنى للنفوذ والسيطرة الاجتماعيين اللذين يحدّان من الفعل و الابتكار و التنمية.

_ وآخر مبدأ عام من تلك المبادرة هو الـMeta-principle و هو أن الشبكات تحشد المعلومات، والنفوذ الاجتماعي، والموارد، ورأس المال الاجتماعي، بطرق متميزة جدًا و متجددة .

 تؤمّن الشبكات للواقعين في شراكها وصولًا متنوعًا إلى الموارد و الوظائف والمعلومات والدعم إلى حين…؛

لان المجتمع ليس معقدًا فحسب، بل هو أيضًا متحيّز جدًا .

و هذا ما يجب الإنتباه له من قبل الحكومة و ألا تتجاهله بعد ناقوس الخطر الذي دقه خطاب العرش حول معيقات الاستثمار، لأن اخطر ما يهدد التنمية و الإستثمار كما قالت أعلى سلطة في البلاد هي العراقيل المقصودة. بعد أن وصل لعلمها عدم الوضوح و الشفافية و تعقيدات المساطر و شبكات الإدارات و اختلالات القضاء ،ما عجّل بدق ناقوس الإنذار بشأن”معيقات الاستثمار و عرقلة مساطره” مطالبا جلالته بمحاربتها عوض تصحيحها.

لأننا في ظرفية صعبة نحتاج إلى بيئات آمنة و ملائمة للنمو و الإستثمار. و هو ما لا يمكن تحقيقه دون فرض سيادة التطبيق العادل للقانون و العدل. 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .