البادية المغربية بين الامس و اليوم.. جفاف بدون صبّار .

هشام الحور

تؤثر حالة الطوارئ المناخية و الجفاف على الزراعة في جميع جهات المغرب هذه السنة بطرق مختلفة، بما في ذلك فقدان المحاصيل البورية التي تعتمد بالأساس على التساقطات الموسمية و التي خالفت الموعد هذه السنة،عدى بعض الأمطار المتفرقة ببعض المناطق. مشكل هيكلي يعرفه الفلاح الصغير الذي يشتغل باستغلاليات صغيرة قبل الفلاحين ذوي الاستغلاليات الكبيرة (مول الشكارة) و التي تكون محاصيلهم تحت أنظار اطقم التقنيين و المهندسين الزراعيين، لأن محاصيلهم موجهة بالأساس للتصدير و الصناعات الغذائية و بمعايير معتمدة.
مشكل هيكلي جعل الفلاح الصغير المرتبط أكثر بأرضه يخبر مواقيت الجفاف الدورية، و التي غالبا ما كانت تعقب مرور حوالي عشر سنوات ،خبرة راكمها الفلاح المغربي عبر ثقافة شفهية  تختلف مع اختلاف المناطق لاعتبارات عدة مرتبطة باختلاف نوعية التربة (التيرس) و (الحمري) و (التربة الرملية) ، إضافة إلى اختلاف الجو و المناخ بين الشمال و الجنوب و شرق جبال الأطلس و غربها؛ تأثيرات الرياح الشمالية الغربية المحملة بالامطار و المنخفض الآصوري الموسمي و رياح السمايم ،كلها مسجلة بذاكرة الفلاح المغربي و مقيدة بالتقويم الفلاحي المعتمد عند الامازيغ و العْروبية على حد السواء، لارتباط هذا التقويم بالأساس بخصوبة الأرض و مردوديتها ،

لكن بين الامس و اليوم تغيرت مجموعة معطيات أولها فقدان الجيل الجديد من صغار الفلاحين ارتباطهم بالثقافة الشعبية السائدة بقرى و دواوير المغرب تحت تأثير العولمة و التي جعلت من الشباب أكثر ارتباطاً بهواتفهم الذكية على الغباء الطبيعي الذي كنا نلصقه بشخصية البدوي للفكاهة و السكيتشات الهزلية ،غباء ظاهري كمصل مضاض لعجرفة المدينة ،مبطن بذكاء فطري مرتبط بخصوبة الأرض و عشق الثربة المِعطاء ،لكننا اليوم صرنا أكثر شبها ،حتى أصبحنا لا نستطيع التمييز بين ابن المدينة و ابن الدوار داخل جامعاتنا و معاهدنا ،لان ثقافتنا اليوم على المحك.كذلك هو الأمر بالنسبة لثربتنا (ثربة الفلاح الصغير) دائما ،فبين الامس و اليوم و بعدما كانت أفضل طرق تحسين قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه هو إضافة المواد العضوية للتربة، لعملها على زيادة قدرة التربة في الحفاظ على المياه، أصبحنا اليوم أكثر اعتماد على المخصبات الكيميائية و المبيذات الحشرية التي تُنهك بطبيعة الحال خصوبة التربة و الحشرات المُلقحة (النحل)للأشجار المثمرة و المحاصيل ،و مع سوء الاستعمال السائد لهذه المواد قد تسوء الأمور أكثر مستقبلا في ضل غياب التوعية و الاستعمال الصحيح لما جاد به العلم و تصبح النتيجة عكسية و وصول السموم للمستهلك . 

ويستخدم المزارعون هذه الأيام النفايات العضوية من الأسواق ويمزجونها بالتربة حتى تتمكن المحاصيل من الازدهار دون الحاجة للمياه بشكل متكرر،

كذلك الحال بالنسبة للمواشي فبعد أن كانت سلالة الأبقار المغربية (البلدي) تقبل بما جاد عليها مالكها من حشائش و نباتات شوكية و حتى الصبّار احيانا سنوات الجفاف ،بداءل لم تعد متوفرة الآن بعد أن اتت عليها الأوبئة و الأمراض ،ليصبح الفلاح الصغير اليوم مجبرا على إقتناء العلف و (السيكالين) لإشباع شراهة الفصائل الهولندية و البلجيكية التي اقتنتها بدعم من الدولة.

حالة من الضغط على كاهل الفلاح الصغير الذي انهكته مصاريف رعاية أرضه و ماشيته أمام التغيرات المناخية و الاحتباس الحراري و الأوبئة ،استدعى من الدولة القيام بحزمة من الإجراءات بتوصية من ملك البلاد الذي استدعى القائمين على شؤون الفلاحة والتنمية لوقف حالة النزيف التي تعرفها البادية المغربية ،فحتى المدن لم تعد قابلة على استقبال الهجرة القروية على غرار سنوات الثمانينات التي عرفت نزوحا نحو المدن بعد انقطاع غيث السماء.

ومن جملة الإجراءات هذه السنة لمواجهة الجفاف و شح المياه ،شرعت بعض المناطق في البلاد في فرض قيود على عملية زراعة البطيخ المستهلك للمياه، آخرها كان منطقة شيشاوة حيث تم تحديد المساحة المغروسة من البطيخ في خمس هكتارات للبئر الواحد.

بعد أن شهدت الاراضي نقصا في الأمطار هو الأكثر حدة منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث لم يتجاوز المعدل الوطني للتساقطات 75 ملم، مسجلا بذلك تراجعا بنسبة 64 في المئة مقارنة بموسم عادي.

كما أُطلق برنامج استثنائي بقيمة 10 مليارات درهم لدعم المناطق القروية ومساعدة العاملين في القطاع الفلاحي على مواجهة آثار الجفاف والحد من تأثيره على أنشطتهم الزراعية.كما شهدت منطقة طاطا على غرار مناطق أخرى تعاني من ندرة المياه، وضع خطة استثنائية من أجل تعزيز العرض المائي، والحد من استنزاف الموارد المائية.و يقول مدير الوكالة التي تسهر على وضع خطط تهيئة وتدبير الموارد المائية بهذا الخصوص، أن هذه التدابير ليست سوى إجراءات من بين أخرى تم تبنيها من أجل الحفاظ على مخزون الماياه الجوفية أو (الفرشة المائية )، والتي تعتبر مصدرا لتلبية احتياجات بعض المناطق من الماء الشروب في ظل عدم وجود بدائل أخرى.

وفي ظل شح الأمطار وتناقص الموارد المائية، دعا عدد من الخبراء في المجال الزراعي إلى الحد من الزراعات المستنزفة للفرشة المائية، والعمل في المقابل على تشجيع المزروعات المتكيفة مع التغيرات المناخية.
 بعد أن أن أصبح من الضروري اليوم وضع برامج لتأطير هذه الأصناف من الزراعات، واستصدار قرار بمنعها في المناطق التي تشهد ندرة في المياه بسبب قلة التساقطات المطرية.
كما أعلنت الدولة عن إطلاق خطة وطنية للتخفيف من آثار تأخر التساقطات المطرية، والحد من تأثير ذلك على النشاط الفلاحي، وتقديم المساعدة للفلاحين ومربي الماشية.

وتهدف هذه الخطة إلى مواجهة آثار الجفاف، من خلال حماية رأس المال الحيواني والنباتي وإدارة نقص المياه، وتخفيف الأعباء المالية على المزارعين، وضمان التأمين الزراعي.كما تهدف إلى تمويل و تزويد السوق الوطنية بالقمح وعلف الماشية، إلى جانب تمويل الاستثمارات المبتكرة في مجال السقيلدعم حلول و تجارب التعاونيات و الفلاحين الصغار . كماسيتم وفق هذا البرنامج الاستثنائي، توزيع 7 ملايين قنطار من الشعير المدعم لفائدة مربي الماشية، و 400 ألف طن من الأعلاف المركبة(سيكالين) على مربي الأبقار الحلوب، وتطعيم ومعالجة 27 مليون رأس من الأغنام والماعز و200 ألف رأس من الإبل ومعالجة النحل من داء “الفارواز”.ويشمل البرنامج عدة إجراءات أخرى من ضمنها العمل على تسريع إجراءات التأمين ضد الجفاف بالنسبة للمزارعين، وإعادة جدولة مديونيتهم.

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .