درس الغولف: أحدث مناهج تطوير التعليم
تعرضت المذكرة الأخيرة المنسوبة لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة السيد شكيب بنموسى، و التي دعا فيها مدراء الأكاديميات لتشجيع التلاميذ على ممارسة رياضة الغولف داخل المؤسسات التعليمية، تعرضت لموجة من السخرية و الانتقادات الشديدة من قبل الأساتذة النشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي، مؤكدين أن التلاميذ في حاجة إلى تجويد المقررات الدراسية ومحاربة الهدر المدرسي بدل التشجيع على رياضة لا تتوفر الظروف المناسبة للمارستها داخل المؤسسات.
السؤال :
هو تطور غير متوقع للمناهج الدراسية إذن؟ ام أن هناك دافع آخر أخرج علينا وزير التربية والتعليم هذه المرة بهذا التصريح الرنان، الذي أثار الجدل الواسع وسط ساحة يغيب عليها المضمار المفترض حيث يتم قذف الكرة الصغيرة خارج أسوار المدرسة أو بين الأروقة والمقاهي و نوادي التعليم التي أصبحت مضمار لتكوير اشكال الحلويات المختلفة الوانها.
هنا تذكرت و الذكرى تنفع المؤمنين، تذكرت حديثي في مقال مطول عن قوتنا العضمى و ما يجعلنا في صميم التفوق، تحدث فيه عن رياضة المشي و تاريخها، و علاقتها بالتعليم، و تذكرت أيضا في خواطري قبل النوم إحدى القامات التي درست عندها بابتدائية انس بن مالك، استاذي “ابو الحمير” و هذا اسمه الحقيقي، يال الصدف، تذكرته حين سئلناه عن هوايته بعد أن كشفنا له عن هواياتنا و نحن صغار، و الهواية هنا مِن الهوى و ما يهوى القلب، كانت إجابته مع ابتسامة نصفية كعادته: ” الغولف” قبل أن يرمي سيجارته السوداء بقرف وراء قهقهاتنا، لقد كان صارما معنا ما عدى الساعات التي يفتح لنا فيها المجال للشَقاوة، كان استاذنا discipliné بصحيح العبارة مُجِداً و مُجدداً في عمله معنا، لدرجة أننا نصطف أمام القسم بـتراص في انتظاره قبل أن يتوقف و يشير لنا بيده للتقدم أمامه و فتح الباب للالتحاق بالقسم، كنا معجبين به، استاذنا يهوى الغولف رغم صفعاته التي كانت تُقوم سلوكنا الطائش.
رحم الله استاذنا “أبو الحمير” و البركة في الأحياء.
لقد نصح سيادته المعلمين والمعلمات بممارسة رياضة الغولف ليس “أبو الحمير” لقد عدنا هنا لمعالي الوزير الذي نصح بـ “الغولف” لتحسين لياقتهم البدنية ربما، بل أيضاً كوسيلة فريدة لتجديد النشاط وتحفيز الابتكار في طرق التدريس.
يتساءل أحد المعلمين ساخرًا:
– هل يعتقد الوزير أن تلك المساحات الخضراء الواسعة المخصصة للغولف ستكون مُتاحة لنا بجوار كل مدرسة؟
– لا تستصغر نفسك!
– هل ستوفر الوزارة أيضًا مضارب الغولف ضمن الأدوات المكتبية؟
– إن أمكن!
بالطبع، في عالم موازي تتوافر فيه ملاعب الغولف عند كل زاوية، ربما نرى معلمي الكيمياء يدرسون التفاعلات الكيميائية باستخدام كرات الغولف الملونة!
أما المعلمات، فقد تساءلن عن الحكمة الخفية وراء هذا الاقتراح. هل يسعى الوزير لجعل رياضة الغولف وسيلة جديدة لتهدئة الأعصاب بعد حصص مليئة بالشقاوة ؟ أم أنها محاولة مبدعة لجعل المعلمين أكثر قدرة على “التعامل مع التحديات” عبر تعزيز تركيزهم في لحظاتٍ حاسمة… مثل اللحظة التي تسبق تسديد الكرة في الحفرة؟
وبينما يتشاور المعلمون حول شراء الزي الرسمي للغولف بعد أن خلعو الوِزرة ضدا في الوزير الذي يحمل وِزراً.
و هل سيصبح الغولف جزءًا من الزي المدرسي اليومي.
في الحقيقة يجدر بنا التفكير في الدروس العميقة المستقاة من هذا الاقتراح. لعل أكثرها وضوحًا هو أن الابتكار والرياضة اللذان بإمكانهم أن يشكلان معًا مزيجًا مثيرًا للضحك أو ربما للبكاء !
في هذه الايام ، ينتظر الجميع بفارغ الصبر التصريح القادم: هل سيطلب الوزير من مديري المدارس تنظيم رحلات صيد في عطلة نهاية الأسبوع؟
أم أن هناك نِية لتعديل مناهج التربية البدنية لتشمل دروسًا في الرقص على أنغام الموسيقى الكلاسيكية في ملاعب التنس؟
في كلتا الحالتين، يبدو أن روح الابتكار في تطور مستمر، على الأقل داخل أروقة الوزارة.
و في انتظار الجديد دائماً
نودعكم على قول سكان مدينة البهجة: يلاه تمشا(ي) تمشا(ي).
Comments ( 0 )