ياسين الرضواني
الشعبوية.. بدون شعبوية
تجعل الحديث عن عمق المشكل بعيد المنال.. حيث يلزمك أن تزيل أطنانا منها من فوق المشكل من أجل مناقشة جوهره..تعرف الشعبوية عامة بكونها أحد أشكال العمل السياسي القائم على تفسير القضايا العامة بشكل سينمائي درامي محملا النخب الحاكمة، أو الدولة مسؤولية كل المشاكل السياسية والاجتماعية و الاقتصادية، بهدف تغيير موازين القوى المهيمنة على السلطة في غالبية الأحيان.
و من ذلك، يحاول الشعبوي دوما الاقتراب من الناس من خلال خطب ووعود تستفز المشاعر تارة و تثير المخاوف تارة أخرى، كما يسعى لأن تتحدث خطبه عن حلول بسيطة لمشاكل سياسية كبيرة، و ربما تاريخية، معتمدا في كلامه على شعارات لامعة مثل “المغرب دولة الشعب”، و”نحن الشعب” و “السلطة للشعب”، وغير ذلك من الشعارات البراقة التي تجعله منتميا، مصطفا مع الأغلبية الساحقة من المواطنين، ضد الضفة الأخرى “المخزن” أو الدولة المغربية.
هذا النهج الذي يمكن اعتبارها ضرباً من السياسة، يسعى إلى تمثيل الناس العاديين الذين يشعرون بأن جماعات النخبة تتجاهل شواغلهم.
الشعب.. اختل مفهومه
وجود الأشخاص أساسا مهما لبناء الدولة، و الشعب يعني أولئك الأشخاص الذين يشكلون الدولة، أولئك الذين يعيشون على أرض ذلك البلد ويحملون جنسيتهم، و ما أن يستقيم هذا المفهوم، سرعان ما تختل موازينه عند الإدلاء بوجهات النظر في قرار معين قامت به الدولة، يخص البلاد، حيث يحب أغلبية المعارضين بسط سيطرتهم على أقلية المؤيدين، و هنا تُنافي الشعبوية الديمقراطية التي تدافع عنها، و التي تظن أنها تطبقها بحذافيرها، و تنتقد عليها الدولة إن لم تتخذها كمبدأ في قضية من القضايا.العنصرية، التعصب للرأي، و تسفيه الرأي المتجه عكس التيار، بدعوى أنه ليس في صالح الشعب، تجعل للشعبويين سلطة عنيفة في وقت ينتقدون فيه سلطة الدولة.
و من جهة مغايرة بعيدة عن العلاقة بين المواطن و الدولة، هنالك فئة من الشعبويين الذي يدعون أنه ليس من حق شخص أن يعلن ولاءه للشعب إلا إذا كان ينحدر من أسرة فقيرة، و استمر يعيش في وضعية اجتماعية صعبة، و يندد من على سريره بالفقر الذي كانت الدولة المسؤولة الوحيدة عنه، و الذي ستظل مسؤولة عنه إلى يوم يُبعث، حيث يضمنون بهذا تواجد كائنات شعبوية بامتياز، ليستمرون هم الأغلبية.
عقود من الشعبوية.. هل جاءت بالحل ؟
في الخطاب السياسي، تتضاعف خطورة الشعبوية، حيث يعلن رجل السياسة المتخذ لهذا النهج أنه مع أوسع القواعد الجماهيرية وضد النخبة المنتقاة، في حين أنه ينتمي إلى هذه النّخب الساعية إلى تسلّم مقاليد السلطة واحتلال مقاعد الحكم.
هذا الشخص الذي يعلن رغبته في إجراء الاستفتاءات الشعبية، وما إن يتمكن من السلطة فهو يسعى مباشرة إلى الانفراد بمقاليد الأمور، لتبقي الشعبوية عندها خطابه حبرًا على ورق، كيف لا و هذا النهج السهل يغيب فيه التخطيط و العقلانية و التحليل الذي يلزمهم مجهودا و تفكيرا واقعيا.
نهج سلبي.. لكن ليس السبب في الفشل
لا يمكن أن نحمل الشعبوية سبب عدم توفر الحلول للمشاكل التي تدعيها، فبالفعل توجد تلك المشاكل و المسؤولية ملقاة بالدرجة الأولى على عاتق المسؤولين، لكن يجب تغيير نمطها التقليدي القائم على تقسيم الوطن الى حرب بين الشعب و الدولة، حيث يعتمد نجاح البلاد على نجاح الطرفين و بحث الطرفين على الحلول، فبالفعل يجب على المواطن أن ينبه المسؤول إلى أخطائه و يراقبه، و يضع الطرفان النقط على الحروف بسلمية و وطنية، و الحديث بشكل تفصيلي مدقق، لا أن يكون الحديث عن المشكل بشكل عام، و لا عن حل عام .. فلن ينتهي الأمر بتاتا هكذا ..
حيث نخلص في النهاية إلى أن الشعبوية ليست حلا للمواطن، بل هي فقط منهج تنصّب فيه نفسها كالغالبية التي “تتحدث” عن الحلول، و تعرف الأصلح من بين الوزراء و المسؤولين، و كذا الصحافيين و صناع الرأي، أو حتى الفنانين و الرياضيين، فهذه الأغلبية وحدها من تفاضل بينهم بمعيارها الوحيد المعترف به “أن تقول ما يتلوه عليك الشعب”
Comments ( 0 )