هشام الحو
يكمن نجاح أي شركة في قدرتها على تحقيق الأهداف التجارية المطلوبة منها من خلال توجيه الموارد البشرية بفاعلية.
وتكمن هذه الإدارة الفعّالة في توفير المُحفزات الفعالة للموظفين سواء كانت مادية أو معنوية للعمل.
ولكن أي المحفزات ستؤتي اكلها؟
وكيف ستواجه الشركة ارتفاع نسبة الموظفين الغير متفاعلين مثلا إلى 70% من إجمالي الموظفين؟
ولما كان البقاء على قيد الحياة هو أهم احتياج بشري طبقًا لهرم ماسلو – Maslow الذي حدد حاجيات الإنسان للبقاء !
هل لان العمل من أجل المال لتأمين الحاجات الأساسية يأتي في المرتبة الأولى من دوافع الموظفين في الشركات ؟
ناهيك عن العمل لتحسين مستوى المعيشة.
و كيف يؤثر المال في تحفيز الموظف للعمل؟
بالطبع، القيمة المادية!
إذ تشير النظرية الاقتصادية لآدم سميث أن الإنسان بطبعه لا يحب العمل وبذل الجهد، ويميل إلى الاستسهال و الكسل في كل شئ.
لذلك، يتطلب الأمر بعض المال في صورة راتب، حوافز، جائزة، أو حتى مكافأة لتحفيز الموظف على العمل.
وبالرغم من قصور هذه النظرية الاقتصادية عن تفسير الدوافع الكاملة لعمل أي موظف ،لكنها توفر تفسيرًا منطقيًا إلى حد كبير يُثبت أهميته في سوق العمل حتى اليوم خاصةً إذا كان المال هو الدافع الأساسي للعمل.
ولكن كيف تُحفز قيمة الأجر الشهري الموظف على العمل؟
وهل المنفعة المستمدة من المال ثابتة مع زيادة قدر هذا المال بشكل دائم؟
الإجابة هي في تقسيم قيمة المال بالنسبة للموظف إلى ثلاثة أقسام: – المال من أجل البقاء، -المال من أجل تحسين مستوى المعيشة أو الاستمتاع، – المال كدليل على التقدير المعنوي.
والمال من أجل ضمان الحاجات الأساسية للبقاء: حتى لا يتحول العمل إلى عبء ثقيل
يحتاج الموظف للبقاء على قيد الحياة وتوفير احتياجاته الأساسية للنجاة قبل أي شئ. احتياج الموظف للبقاء هو أول الاحتياجات في هرم ماسلو لترتيب الاحتياجات البشرية. وبالتالي، هو أقوى الدوافع للعمل ،الجميع يعلم ذلك.
ولكن، من المهم التأكيد على هذه الفكرة لإدراك عدة أشياء في تحفيز الموظفين اليوم.
فإذا كان البقاء هو الدافع الوحيد للعمل لدى الموظف، والمال هو الشئ الوحيد الذي يرجوا الموظف تحقيقه من العمل،
و ماذا لو كان هذا المال بالكاد يكفي لاحتياجات الموظف الأساسية للبقاء على قيد الحياة، اكيد أن العمل سيتحول إلى بلاء وجودي ضروري للبقاء على قيد الحياة.
هذا المعنى السلبي للعمل في ذهن الموظف سيجعل من المستحيل تحفيز الموظف بأي نوع من أنواع الحوافز حتى لو كانت حوافز مالية. حيث سيستجيب الموظف للحوافز المادية فقط لتحسين مستوى معيشته وليس لتوفير احتياجاته الأساسية للحياة!
و كيف تتصرف الشركات عندما يتحول العمل لبلاء وجودي بالنسبة للموظف ؟
تفترض النظرية الاقتصادية أن الموظف يعمل من أجل تحقيق أعلى قدر ممكن من المنفعة – Utility. أي أنه يسعى لكسب المزيد من المال الذي يمكنه من قضاء وقت فراغه بشكل أفضل. قد يفضل الموظف الذهاب للتسوق مع العائلة، التسامر مع الأصدقاء، التنزه في الحدائق أو السفر واستكشاف العالم.
حيث تفترض النظرية أن (العمل) هو نشاط غير مرغوب فيه ولكن الموظف يستطيع تحمله وتقبله طالما أنه يعتقد أن المنفعة التي يوفرها له العمل (القدرة المادية على قضاء وقت الفراغ بشكل ممتع، ووجود وقت فراغ من الأساس) أكبر من تكلفة العمل على الموظف (الوقت والجهد وربما المال الذي وفرته له العائلة لشراء فرصة عمل ) .
ينص قانون تلاشي المنفعة الهامشية في علم إقتصاد الموظفين على أن زيادة ساعة إضافية للدوام الكامل كل يوم ربما يرفع من المنفعة طويلة المدى للموظف. حيث يتقاضى الموظف ضعف أجره عن تلك الساعة، وبالتالي يتمكن من زيادة دخلة بمقدار يسمح له بالإدخار أو تحسين حياته. ولكن، تنقص تلك المنفعة كلما زاد عدد الساعات الإضافية. حيث يبدأ الموظف في الشعور بالإرهاق والتعب جراء عمله لأكثر من 9 ساعات يوميًا، كما يفتقد الوقت الكافي للعائلة والأصدقاء، كما يضحي بوقت النوم والراحة وربما يتأخر عن العمل في اليوم التالي. عوضًا عن عدم وجود وقت كافي للاستمتاع بالدخل الذي يجنيه الموظف من الأساس.
كل هذه العوامل تجعل المنفعة العائدة على الموظف من إضافة ساعات عمل إضافية (هامشية) تتلاشى كلما زاد عدد الساعات رغم زيادة الأجر والمقابل المادي.
نستنتج من هذا صعوبة تحفيز الموظف للعمل لساعة إضافية إذا كان ذلك يعني تأخير موعد عائلي عل سبيل المثال. عندها سيفضل الموظف قضاء تلك الساعة مع العائلة على العمل لساعة إضافية إلا في حالة ارتفاع أجر الساعة الإضافية بالقدر الذي يجعل المنفعة من العمل الإضافي أكبر من المنفعة المبذولة في العمل الإضافي (التضحية بقضاء ساعة مع العائلة).
بالطبع يختلف تعريف المنفعة من موظف لآخر، ولكن يفترض “الإقتصاد” أن الجميع لديه الحافز للعمل طالما أن المنفعة المستمدة من العمل أكبر من التكلفة المبذولة فيه. وبناءً على ذلك، فإن قوانين اقتصاديات الموظفين Personnel Economics تفترض أن الموظف يسعى لتحقيق مصلحته الشخصية فقط، لذلك فإنه يتصرف بعقلانية، ويفكر بشكل منطقي. وبالتالي، فهي قاصرة عن تفسير دوافع العمل منفردة للموظف في القرن الواحد وعشرين.لانها لا تزال مسألة معقدة كباقي المعادلات التي يكون الإنسان طرفا فيها باعتباره حالة مرضية تعبر دائما عن عدم الرضا الوجودي.
ففي أحد الحوارات بين دون دريبر Don Draper و مرؤوسته بيجي أولسون Peggy Olson في حلقة من مسلسل الدراما الامريكي الشهير، الرجال المجانين Mad Men، الذي يوثق لحالة وكالات الاعلانات الإشهارية في نيويورك في خمسينات القرن الماضي ،
حيث تعبر بيجي عن رغبتها في سماع كلمة “شكرًا” من مديرها على كل ما تحققه من انجازات للفريق وللشركة.
يَرد عندها دون دريبير بعبارة:
“هذا هو الغرض من المال That’s what the money is for”
مشيرًا إلى أن الراتب الذي تتقاضاه بيجي يمثل كلمة “شكرًا” بالنسبة للموظف.
لكن من يدري تحديدا هل يقصد هنا أنها تتقاضى راتباً عالي القيمة أم أن مجرد فكرة تقاضيها لراتب يعبر عن القيمة المعنوية المرجوة من العمل.
ولكن في كل الأحوال وبعيدًا عن مدى صوابية ممارسات دون الإدارية في المسلسل، يُستنتج أن المال بالنسبة لدون يعني التقدير المعنوي بجانب القيمة المادية للمال. وهو أمر حقيقي بالنسبة للكثير من الموظفين اليوم.
حيث تعني زيادة راتب الموظف – حتى بدون ترقيته لمنصب أعلى – تقدير له من الشركة ، وتنعكس على نفسيته بشكل معنوي إضافة إلى المنفعة المادية من زيادة الراتب. كذلك هو الحال بالنسبة للمكافآت و الحوافز. والعكس صحيح أيضًا، عند انخفاض راتب موظف موهوب لأقل من متوسط القيمة السوقية لمهارته، فإن الموظف قد يشعر بعدم التقدير وبالإهانة لشخصه، مما ينعكس سلبًا على رغبته وحافزه الداخلي في العمل(motivation).
حتى لو كان الراتب يكفي احتياجاته المادية وتطلعاته.
في النهاية، إدارة الموارد البشرية التي تستطيع إلهام الثقة في موظفيها تدرك أهمية علم اقتصاد الموظفين وقيمة النظريات التي يقدمها في تفسير سلوكيات الموظفين وكيفية تحفيزهم للعمل، ولكنها تدرك أيضًا أن المال وحده لا يكفي. خاصةً في القرن الواحد وعشرين، حيث يعمل معظم المحترفين في العالم من أجل تحقيق الذات و المكانة الاجتماعية و خدمة الآخرين والشعور بالإنجاز والابداع. لذلك، فإن قسم الموارد البشرية يبحث باستمرار عن الدوافع النفسية والاجتماعية لموظفين بغرض استخدامها في تحفيزهم وتقديرهم، وكذلك لا تتجاهل العامل المادي تمامًا وتحاول تصميم حوافز مالية ومكافآت تؤتي الثمار المرجوة منها دون أن تؤتي نتائج عكسية؛ كغياب روح الفريق بسبب المنافسة الشرسة على الحوافز بين الموظفين.
هناك العديد من الدوافع النفسية والمجتمعية التي تحفز الموظف للعمل مثل تحقيق الذات ، وتحقيق المكانة الاجتماعية، والتحرر من قيود وأعباء الحياة. ولكن كل هذه الدوافع لم تكن لتوجد لو لم يوفر العمل الاحتياجات الأساسية للموظف للبقاء.
لذلك حاولنا البحث بالأسباب الاقتصادية للعمل. في مقالات أخرى سنوضح الدوافع النفسية والاجتماعية للعمل .
Comments ( 0 )